نعيش في هذه الأيام الذكرى التاسعة لمعركة العصف المأكول، والتي تزامنت مع انتهاء العدوان العسكري الإسرائيلي على مخيم جنين، والذي أبلت المقاومة الفلسطينية في مواجهته بلاءً حسناً، عكس تحولات مهمة في أداء المقاومة، وكأن العصف المأكول أحيت الروح المعنوية في حب المقاومة لدى جميع شرائح مجتمعنا، ومن منا لا ينسى صورة المجاهد الذي وضع الجندي الإسرائيلي تحت حذائه في عملية (ناحل عوز).
إن معركة العصف المأكول عام 2014م، شكلت نقطة تحول في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على الرغم من حجم الجرائم التي قامت بها دولة الاحتلال الإسرائيلي تجاه شعبنا الفلسطيني، والتي أسفرت عن استشهاد 2147، منهم 530 طفلًا و302 امرأة، إضافة إلى آلاف الجرحى من جراء الغارات الصهيونية على كامل قطاع غزة، إضافة إلى تدمير مئات المنازل والمنشآت المدنية، وعلى الرغم من اختلال موازين القوى لصالح الاحتلال، فإن عدد الذين قتلوا خلال المعركة من جانب دولة الاحتلال 72 صهيونيًّا بينهم 64 جنديًّا، وأصيب أكثر من 1620 صهيونيًّا، 322 خرجوا من الحرب بإعاقة، في حين سُجل هروب 292 جنديًّا صهيونيًّا من الخدمة العسكرية خلال المعركة، وأصيب 3000 جندي بصدمات نفسية.
وبلغت خسائر العدو الاقتصادية أكثر من 9 مليارات شيكل في كل القطاعات والمنشآت التي تعطلت خلال 51 يومًا من الحرب.
اقرأ أيضًا: العصف المأكول وتهشيم معادلة الأمن الصهيوني
اقرأ أيضًا: هل انتصرت المقاومة؟
بعد هذه الإطلالة السريعة على أهم الإحصاءات في هذه الحرب، سأتوقف في هذا المقال عند تطور أداء المقاومة بالمقارنة مع العدوان الصهيوني الذي سبق معركة العصف المأكول عام 2012م، حيث شهدت معركة حجارة السجّيل عام 2012م، أربع تحولات إستراتيجية مهمة هي:
الأولى- ضرب (تل أبيب) بصاروخي (75m) و(فجر5).
الثانية- إطلاق صاروخ أرض جو باتجاه طائرة حربية من طراز (إف16)، وإطلاق صاروخ (كورنيت) على بارجة بحرية.
الثالث- إسقاط طائرة استطلاع في عملية تكنولوجية والحصول عليها.
الرابعة- القدرة الأمنية الخارقة في الحفاظ على صلابة الجبهة الداخلية وتماسكها.
وعند متابعة أداء المقاومة بعد عامين فقط مع معركة حجارة السجيل أي عام 2014، فإن اللافت في الأمر حجم التحول الإستراتيجي في أداء المقاومة وعمل وحداتها، على الرغم من أن البيئة السياسية الفلسطينية والإقليمية والدولية في معركة العصف المأكول كانت أكثر سوءًا تجاه المقاومة من معركة حجارة السجيل عام 2012م، ورغم ذلك وفي الذكرى التاسعة لمعركة العصف المأكول، فإن أهم التحولات الإستراتيجية التي تم رصدها في تلك المعركة هي على النحو الآتي:
· دخول سلاح الأنفاق بقوة في قاموس العلوم العسكرية، إذ كان لهذا السلاح أثر كبير في إفشال الزحف الصهيوني البري تجاه غزة، وإضعاف القدرات الجوية والبحرية في استهداف المقاتلين، وعليه فإن أغلب الخسائر البشرية كانت في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
· لأول مرة في تاريخ الصراع مع المحتل تتمكن المقاومة من استخدام طائرات مسيرة بدون طيار للرصد والتحكم في عمق دولة الاحتلال.
· لأول مرة في تاريخ الصراع يتم إدراج القوة البحرية ضمن أدوات المقاومة الفلسطينية، فظهرت وحدة الكوماندوز البحري (الضفادع البشرية) لتنفذ عملية نوعية في قاعدة زيكيم العسكرية داخل أراضينا المحتلة.
· ظهرت خلال معركة العصف المأكول أنواعًا جديدة من القذائف المصنعة محليًّا التي تجاوزت (تل أبيب)، ليصبح أكثر من ثلثي دولة الكيان تحت مرمى النار.
· في معركة العصف المأكول أصبحت صواريخ الكورنيت الموجهة بيد أغلب الوحدات المقاتلة، وتم استخدامها بكثافة حتى أصبحت سلاحًا عاديًّا في مواجهة ترسانة (إسرائيل) التي هاجمت المدنيين في غزة.
· في معركة العصف المأكول ظهرت لغة القانون الدولي، وأخلاق المقاومة في وقت غابت الأخلاق عن جيش الاحتلال، وسادت شريعة الغاب لديهم عبر استهدافهم المتكرر للمنازل المدنية بما فيها من أطفال ونساء، وما يعكس أخلاق المقاومة وتحديها لدولة الاحتلال تحديد ساعة قصف (تل أبيب)، وتحذير المطارات والموانئ بعدم الإقلاع أو الهبوط في مطار بن غوريون قبل 72 ساعة من قصفه.
· في معركة العصف المأكول أفشلت المقاومة خيار هنيبعل، ونجحت في أسر جنديين من قلب المعركة.
· في معركة العصف المأكول نجحت المقاومة في ضمان وحدة الجبهة الداخلية، وفي استهداف (تل أبيب) بعملية استشهادية انطلقت من الضفة الغربية لتعزز من وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.
· في معركة العصف المأكول تطور الأداء الإعلامي للمقاومة، ما ساهم في كي وعي الصهاينة بقوة وقدرة المقاومة على الفعل والضرب خلف خطوط العدو.
· معركة العصف المأكول عكست ضعف الأداء السياسي الفلسطيني، والمتمثل في نتاج التفاوض وجني الثمار لشعبنا بعد تضحياته الجسام، لذا كان لزامًا التقييم والتقويم في سبيل تحسين عملية التفاوض وإلزام الاحتلال بحقوقنا الوطنية المشروعة.
الخلاصة: هذا التطور بين معركتين يفصل بينها عامان، ثم جاءت معركة سيف القدس، ووحدة الساحات، وثأر الأحرار، وبأس جنين، لتؤكد أن منحنى المقاومة في تصاعد، وأن حاضنتها في تزايد، وأن سياسة الاحتلال عبر الحصار لم تحقق أهدافها، وهو ما يفسر السلوك الصهيوني الجديد في توظيف "السلام الاقتصادي" كمدخل مهم في تخفيف الحصار على قطاع غزة.