فلسطين أون لاين

يترقبون صفقة تبادل للنجاة من عذاب السجن 

تقرير "العصف المأكول".. فتحت أبواب الأمل على مصراعيها للأسرى وعائلاتهم

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

ضجت سجون الاحتلال بأصوات التكبيرات، لحظة إعلان كتائب عز الدين القسام أسر الجندي الإسرائيلي "شاؤول أرون" خلال معركة "العصف المأكول" عام 2014، فقد كانت تلك اللحظة تنذر بتحقيق حلم الحرية للأسرى، ولا سيما أصحاب المؤبدات والأحكام العالية.

المحرر يوسف مسعود الذي أفرج عنه الاحتلال عنه في 5 يونيو/ حزيران الماضي بعد 20 سنة قضاها في الأسر، عايش لحظات الفرح تلك والتصقت بذاكرته، حينما أوقدت شموع الأمل في عتمة السجن.

يتذكر المحرر مسعود تلك اللحظات العارمة للفرح داخل السجن، عندما أعلن عن أسر الجندي "شاؤول آرون، قائلًا: "بالرغم من إغلاق غرف السجن في تلك الأوقات، إلا أن الأسرى كانوا يتابعون الأخبار عبر القنوات التلفزيونية المتاحة لهم، وعند بث النبأ على إحدى تلك القنوات، سجدوا وهللوا وكبروا، بالرغم من عقابهم من إدارة السجن بسحب التلفاز وطردهم إلى ساحة السجن".

ما يزيد من فخر مسعود، الذي قضى سنوات طويلة في الأسر، بالصفقة المرتقبة لتحرير الأسرى، أن شقيقه وليد مسعود ارتقى في أثناء أسر الضابط "هدار غولدن" شرق رفح في أغسطس/آب 2014، قائلًا: "الأسرى كانوا يدركون أن الطريقة الوحيدة للإفراج عن أسرى المؤبدات والأحكام العالية هو خطف الجنود، ففتحت المقاومة باب الأمل للأسرى، وكان شقيقي جزءًا من هذا الثمن والتضحية".

شوق وانتظار

بقلب استبدل الحزن والإحباط بالأمل والفرح تبدل حال والدة الأسير ضياء الأغا المحكوم بالسجن 4 مؤبدات الذي مضى على اعتقاله 32 عامًا لحظة أسرى المقاومة جنود الاحتلال عام 2014، قائلة: "عندما سمعت خبر أسر الجنود زاد أملي أن أرى ابني وأكحل عيني برؤيته وأنا على قيد الحياة".

وبالرغم من مرور تسع سنوات على عملية الأسر، إلا أن قلب أم ضياء (72 عامًا) يترقب بلهفة حدوث الصفقة، فتقول لصحيفة "فلسطين" بصوت يلسعه القهر: "أنتظر بفارغ الصبر الإفراج عن ضياء، كل الأسرى المعتقلين قبل أوسلو أفرج عنهم إلا ابني. سلبوا فرحتنا، وأملنا بصفقة قريبة".

اقرأ أيضاً: تقرير "العصف المأكول".. معركة فاصلة قَبْلُها ليس كما بعدها

دخل الأسير الأغا السجن فتًى يافعًا لم يتجاوز سبعة عشر عامًا والآن طرق 47 عامًا، تعلق أمه بحسرة تتدفق من أعماق قلبها "ثلثا عمره أمضاه داخل الأسر، أتمنى أن يخرج ويجدني على قيد الحياة حتى أستقبله وأفرح فيه"، علمًا أن والده توفي في عام 2005، وبقيت والدته تنتظره وحيدةً.

يملأ الحزن فمها بلهجة عامية "العين بتدمع بدون ما نحس فيها، هدول 32 سنة، بحلم فيه حلم أنه يطلع هو وباقي الأسرى".

على رأس القائمة

في السادس من سبتمبر/ أيلول 2021 تمكن الأسرى: محمود العارضة، وزكريا الزبيدي، وأيهم كممجي، ومناضل انفيعات، ومحمد العارضة، ويعقوب القادري من تحرير أنفسهم عبر حفر نفق أسفل سجن "جلبوع" الإسرائيلي، الأكثر تحصينًا. 

وفي 5 أيام تمكّن القادري من تنسم الحرية قبل أن يُعاد اعتقاله هو ومحمود العارضة في مدينة الناصرة بالداخل، في حين أُعيد اعتقال الزبيدي ومحمد العارضة في منطقة الجليل في اليوم التالي، والأسيرين كممجي وانفيعات في جنين بعد أسبوعين، ونكلت بهم وعزلتهم وأضافت خمس سنوات إلى أحكامهم.

ردًا على إجراءات الاحتلال أعلنت المقاومة إدراج أسماء الأسرى الستة على قوائم أي صفقة تبادل مرتقبة، وأن الصفقة لن تنجز بدونهم، وهذا ما أثلج صدر فؤاد كممجي والد الأسير أيهم وبقية العائلات، فيقول لصحيفة "فلسطين": إن "الإنسان بدون أمل لا يستطيع العيش للحظة واحدة، وعندما تعهدت المقاومة فتحت باب الأمل على مصراعيه".

وقال كممجي عن انتزاع نجله ورفاق حريتهم، بصوت مليء بالفخر والاعتزاز: "الانتصار لو للحظة بالرغم من أنف الاحتلال والسجان هو الأهم، أنه استطاع تنسم الحرية لمدة أسبوعين بالرغم من أنف الاحتلال، ربما هذه الأيام تعادل حياته كلها".

واعتقل الاحتلال الأسير كممجي عام 2006 وحكم عليه بالسجن مؤبدين، وكان من الأسماء المقرر الإفراج عنها في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، وأقام الأسرى حفلة وداع له وأجرت وسائل الإعلام مقابلات مع والده كأب أسير سيفرج عنه قريبًا، قبل أن يمنع الاحتلال الإفراج عنه في اللحظات الأخيرة.

يستحضر تلك اللحظات "عشت فرحة ممزوجة بالحزن لأن ابني لم يتحرر، وفرح بالإفراج عن أكثر من ألف أسير وأسيرة وتحقيق المقاومة وعدها بصفقة مشرفة".

ومنذ تسع سنوات يترقب كممجي أن تنجز صفقة التبادل ويفرج عن ابنه، بكلمات مليئة بالأمل والشوق يردف أن "أصحاب المؤبدات كانوا لا يعدون السنوات قبل أسر الجنود عام 2014، لكنهم الآن فُتحت لهم أبواب الأمل بأن يتحرروا، لإخراجهم من القبر الذين ينعزلون به عن العالم".

ومن بين نحو 5 آلاف أسير في سجون الاحتلال حاليًا، يقضي 551 منهم أحكامًا بالسجن المؤبد، من بينهم 27 أسيرًا مؤبدًا من غزة، و18 أسيرًا زادت سنوات أسرهم عن 30 عامًا.

نقلة نوعية

من ناحيته، قال المتحدث باسم مكتب "إعلام الأسرى" حازم حسنين: إن قضية الأسرى تتصدر قائمة أولويات المقاومة الفلسطينية، وهو ما يظهر بوضوح خلال أسر الجندي جلعاد شاليط عام 2006، وما تكلل بتحقيق صفقة تبادل مشرفة عام 2011 بالإفراج عن نحو 1027 أسيرًا وأسيرة عرفت باسم "وفاء الأحرار".

وأشار حسنين لصحيفة "فلسطين"، إلى أن أسر "شاليط" سبقه حالة إحباط عاشتها السجون بدخول انتفاضة الأقصى وعدم حدوث أي عملية إفراج خلال المفاوضات بين السلطة والاحتلال، مشددًا على أن الصفقة شكلت نقلة نوعية توازي تضحيات وآمال الأسرى.

اقرأ أيضاً: بالفيديو كتائب القسام: هذا ما جرى في اليوم الأخير من "العصف المأكول"

وبين أن الأمل بالحرية تضاعف وأصبح أكبر مع إعلان كتائب القسام أسر الجندي "شاؤول أرون" والضابط "هدار جولدن"، إذ شكلت معركة "العصف المأكول" نقلة نوعية لأسرى خاصة أصحاب الأحكام العالية الذين رفض الاحتلال الإفراج عنهم في صفقة "وفاء الأحرار" وباتوا قاب قوسين أو أدنى من الحرية.

ولفت إلى أن صمود الأسرى داخل السجون يتجذر في ترقبهم لصفقات التبادل، التي تمثل لهم بوابة الحياة وطوق النجاة من عذابات وقهر الاحتلال داخل السجون، مبينًا أنها تعد نهاية لمعاناتهم ومعاناة عائلاتهم التي تعيش في ظل القلق والألم خارج جدران السجون.