فلسطين أون لاين

ما وراء حماس (إسرائيل) لاستقلال كردستان

شذّت (إسرائيل) عن دول العالم، وأسمعت صوتها المؤيد بقوة لاستقلال إقليم كردستان عن العراق. وعلى الرغم من أن قدرة إسرائيل على تقديم إسناد حقيقي للكرد، يمكّنهم من تحييد مفاعيل ممانعة العراق والأطراف الإقليمية لانفصال الإقليم، وتحفظ القوى الدولية عليه، تؤول إلى الصفر، فإن تل أبيب ترى أن نجاح الخطوة الكردية سيحسن بشكل كبير بيئتها الإستراتيجية والإقليمية. وعلى الرغم من أن تل أبيب لا تجاهر بالكشف عن مركبات خريطة المصالح التي تراهن على تحقيقها جرّاء انطلاق الدولة الكردية، فإنه يمكن القول إن الكيان الصهيوني يراهن على تحقيق المصالح التالية:


أولاً: تدشين دولة كردية يحسّن من قدرة إسرائيل على المناورة، في مواجهة أعدائها، وخصومها في الساحة الإقليمية، وتحديداً إيران وتركيا، على اعتبار أن كلاً من طهران وأنقرة ستكون مطالبة باستثمار قسط كبير من مواردهما الوطنية، في محاولة احتواء انعكاسات تدشين الدولة الوليدة على جبهتها الداخلية. ويكتسب تدشين الدولة الكردية أهمية قصوى لإسرائيل، بشكل خاص في مواجهة إيران، لأن مواجهة تبعاته الداخلية قد تقلص من فرص تفرّغ إيران لتطوير برنامجها النووي، في أعقاب انتهاء مدة العمل باتفاق جنيف الذي وقعته طهران مع القوى العظمى عام 2015.


في الوقت نفسه، إجماع التقديرات الإستراتيجية في تل أبيب على أن جملة المواقف التي عبرت عنها القيادة التركية في أعقاب هبة الأقصى الأخيرة، إلى جانب وضوح التباين الفج فيالمصالح الإقليمية لكل من أنقرة وتل أبيب، يدفع الإسرائيليين إلى الاعتقاد بأن الأسوأ على صعيد علاقاتهم مع تركيا لم يحل بعد؛ الأمر الذي يزيد من أهمية أي تحول جيوسياسي، يفاقم التحديات أمام القيادة التركية. ويستبطن الحماس للدولة الكردية رهاناً إسرائيلياً على أن تسهم في توفير بيئة عمل أفضل لحزب العمال الكردستاني، لاستنزاف تركيا. ما يشي بهذا الرهان حقيقة أن إسرائيل أفصحت أخيراً عن دعم علني لحزب العمال الكردستاني الذي ينفذ عمليات إرهابية، تستهدف استقرار الدولة التركية، فقد أصر الجنرال يائير جولان، الذي يتنافس على منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي على رفض وصف الحزب بالإرهابي، في ندوة عُقدت قبل أسبوعين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.


ثانياً: تفترض (إسرائيل) أن فرص أن تصبح الدولة الكردية العتيدة حليفة لها كبيرة؛ ليس فقط بسبب التقاء المصالح بينهما، بل أيضاً نتاج إرث التحالف التاريخي الذي كان قائماً بين أكراد العراق وإسرائيل حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، والذي انتهى بُعيد توصّل العراق وإيران الشاه إلى اتفاق الجزائر الذي صفى البيئة الإقليمية التي كانت تسمح لإسرائيل بتقديم مساعدات عسكرية ولوجستية للمتمرّدين الأكراد عبر إيران، مقابل تقديمهم مساعدات استخبارية وأمنية كبيرة لتل أبيب، وفي مقدمتها دورهم الرئيس في تهجير يهود العراق. وسيسمح التحالف مع الدولة الكردية في تحسين قدرة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على العمل ضد منظومة المخاطر الإقليمية التي تواجهها إسرائيل، في إيران وتركيا والعراق وسورية.


ثالثاً: ينطوي الإعلان عن الدولة الكردية على عوائد اقتصادية جمة لإسرائيل، إذ يسمح بخروج مناشط التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي القائم حالياً للعلن، ويضمن تطويرها. فقد كشفت صحيفة فاينشنال تايمز، أخيراً، أن (إسرائيل) تحصل على 75% من احتياجاتها من النفط من كردستان العراق؛ في حين كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن استثمارات إسرائيلية ضخمة في كردستان، سيما في مجال الطاقة والإنشاءات والتقنيات والاتصالات والاستشارات الأمنية. ويمكن للدولة الكردية أن تكون محطة لنقل البضائع والمنتوجات الإسرائيلية للعالم العربي والمحيط.


رابعاً: تأمل (إسرائيل) أن يساعد انطلاق الدولة الكردية على تحقيق خريطة مصالحها في سورية؛ على اعتبار أن نجاح تجربة الدولة العتيدة سيعزّز فرص تطبيق الحل الذي تفضله للأزمة السورية، وهو تقسيم سورية إلى دويلات، وضمنها دويلة كردية يمكن أن تنضم للدولة الكردية شمال العراق. ولا شك في أن تحقق هذا السيناريو سيستنزف تركيا، التي ستضطر إلى استثمار جهود عسكرية كبيرة في الشمال السوري لمواجهة تبعات هذا التطور. وتفترض تل أبيب أن يسهم تقسيم سورية في تقليص إمكانية توفير الظروف أمام تعاظم نفوذ إيران وحزب الله والقوى الشيعية الأخرى؛ سيما مع مؤشرات تدلل على قرب حسم المواجهة لصالح نظام بشار الأسد.


رابعاً: نظراً لأن (إسرائيل) تأخذ بالاعتبار أن حالة انعدام الاستقرار في المنطقة قد تطول بشكلٍ يسمح بتواصل حضور القوى غير السلطوية التي ترى أنها تمثل تهديدا لها، سيما الحركات الجهادية، فإنها تراهن على دور الدولة الكردية العتيدة في التصدي لهذا الخطر. ويعزز من حجم الرهان على الدور الكردي في مواجهة هذه الحركات حقيقة أن إسرائيل ترى أن القوات الكردية دللت على تصميم وكفاءة عالية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية.


خامساً: تأمل تل أبيب في أن يسهم انطلاق الدولة الكردية في تعاظم محاور الاستقطاب العرقي والطائفي والديني، بشكل يوسّع حالة انعدام الاستقرار في العالم العربي، ويفاقم من خطورة تداعياتها؛ وهو ما يفضي بالضرورة إلى تحسين البيئة الإقليمية لإسرائيل؛ ويمنح تل أبيب مزيداً من المجال للمناورة في المنطقة.



العربي الجديد