فلسطين أون لاين

معرض حماس.. ما رسائله؟

أجواء عيد الأضحى المبارك في غزة هذا العام كان لها شكل آخر، فقد تميزت بفعاليات للمقاومة هي الأولى من نوعها، فقد افتتحت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، معرضها العسكري ليومين متتاليين في الثالث والرابع من أيام عيد الأضحى المبارك “أيام التشريق” ودعت المواطنين إلى التقاط الصور التذكارية، وتم خلاله عرض أسلحتها المتطورة في الغالب “تقليدية”، ليراها ويتلمسها الجميع، وقد تمكن الأطفال والعائلات من التعرّف إليها من قرب ومصافحة عناصرها، كتعبير عن ليبراليتها وشفافيتها بانفتاحها على جبهتها الداخلية، التي دوماً ما تقف بجانبها وتدعمها وتؤازرها وتؤيدها في الحروب التي يشنها الاحتلال، لذا تم اطلاعهم على مختلف أنواع أسلحتها الخفيفة والثقيلة وكل ما حملته أيادي المقاومين في صد العدوان على غزة كان حاضراً في هذا المعرض الذي حظي بإقبال شعبي كبير.

اللافت أن معرض كتائب القسام نفذ في عدة مناطق مختلفة في آن واحد، في شمال القطاع ووسطه وجنوبه ليتمكن الجمهور الفلسطيني من الاقتراب من مقاومته، وبنادقها وصواريخها القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى، وكذلك صواريخها الأخرى من نوع كورنيت روسية الصنع، إلى جانب بنادق وقاذفات أرض جو مضادة للطائرات، وطائرة “شهاب” المسيرة، التي تقول إنها من صنعها وتعدها فخر الصناعة المحلية، وتجابه بها أعتى قوة في المنطقة، لما يملكه الاحتلال من أسلحة متطورة وإمكانات عسكرية ضخمة تعجز عن تحديها دول.

السؤال المهم: لماذا نظمت حركة حماس هذا المعرض في هذا التوقيت بالذات؟ فهذه هي المرة الأولى التي تسمح فيها حماس للمدنيين بالتقاط صور من هذا النوع، إذ تمنع غالباً أي شخص من الاقتراب من مواقعها العسكرية المنتشرة في قطاع غزة ومن تصويرها، لأسباب ولدواعٍ كانت تعدها الحركة أمنية محضة، حتى لا تتكشف أسرارها ويعرف الاحتلال ما بحوزتها من أسلحة، وقد يعمل على رصدها ثم تحييدها، وهذا الأمر من المسلمات في العلوم العسكرية أن تفاجئ العدو بما هو جديد ومتطور كي تلحق به الهزيمة.

المعروف أن الحرب النفسية هي الأصعب، ولا سيما أن الاحتلال الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة والمقاومة لا تفهم إلا لغة واحدة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وعليها سعت المقاومة جاهدة طوال السنوات الماضية لمعادلة كفة ميزان القوة، وقد نجحت في رد الصاع صاعين وكسر هيبة “الجيش الذي لا يقهر”، وقد قهرت وتقهقرت قوات الاحتلال الإسرائيلية في عدة حروب شنتها على غزة. إن المقاومة وعلى رأسها حماس تستعمل عدة طرق عسكرية في مقارعة الاحتلال، فلا تركن ولا تأمن لغدره، لأنها تعد نفسها في حالة مواجهة مستمرة معه، فالمقاومة لا تغمض عينها، فهي في وقت اللاحرب تعد العدة وتجهز نفسها وعلى أتم الاستعداد ويدها على الزناد، في انتظار نقطة الصفر، كي تلقن الاحتلال دروساً على غرار معركة “سيف القدس”.

أعتقد أن كتائب القسام أرادت إرسال رسائل عديدة للاحتلال مفادها أنها تمتلك قدرات عسكرية كبيرة تستطيع من خلالها دك حصونه في أي وقت وأي زمان، وأنه كلما فكر في عدوان جديد على غزة فسوف يلاقي رداً بالمثل، وإن ما عرضته من أسلحة محلية  تستخدمها في المعارك كفيلة بصد عدوانه، وفي هذا ابتزاز واضح لترسانة أسلحة الاحتلال التي كان يتباهى بها، بل إن صواريخ المقاومة أخرجت منظومة القبة الحديدية من الخدمة، التي أنهكت ميزانيته المالية بذريعة تطويرها، وأن سلاحه الجوي أثبت أنه لا يستطيع حسم أي معركة، ما دامت صواريخ المقاومة تقصف لآخر لحظة.

عظيم أن يشاهد الجميع ما تملكه القسام من أسلحة محلية التصنيع والابتكار الذاتي في ظل الحصار المفروض على غزة لأكثر من عقد ونصف العقد على التوالي، وها هي تدافع عن شعبها بكل ما تملكه من غالٍ ونفيس، والأكثر ألمًا للاحتلال أنها قد نشرت هذه الأسلحة على شكل معرضها العسكري كنوع من المناورة العلنية تؤول إلى حرب “الاستنزاف”، والردع، بل وزرعت في نفوس الأجيال الناشئة معنى ومغزى المقاومة، وقد لاقى إقبالاً من الأطفال الأكثر اهتماماً بمصافحة المقاومين وملامسة أسلحتهم، وكأن لسان حالهم يقول: كبرنا وتجرأنا ورفعتم معنوياتنا، في حين كانوا في كل عيد يقلدون المقاومة فيما بينهم بأسلحة بلاستيكية (ألعاب وأتاري وبابجي وأفلام آكشن)، لكنهم اليوم من خلال هذا المعرض استطاعوا رؤيتها على أرض الواقع.

لربما هدف المعرض العسكري إلى إرسال رسالة إلى الأسرى أن عيد المقاومة هو يوم تحريركم من سجون ومعتقلات الاحتلال، الذي يكابر ويماطل في إتمام صفقة تبادل الأسرى “وفاء الأحرار 2”، والمقاومة على يقين أنه سيخضع عاجلاً أو آجلاً لشروط المقاومة بتحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين.

ليس شرطاً أن يكون معرض الأسلحة كل ما تمتلكه كتائب القسام بشكل خاص والمقاومة بشكل عام، فلربما تكون هذه الخطوة تكتيكية من أجل المناورة ليس إلا، وكما يقولون فما الحرب إلا خدعة، وما النصر إلا صبر ساعة، وقد تكون هناك مفاجآت تحتفظ بها لوقت معلوم، فكثيراً ما سمعناها تقول إنها تخفي الكثير من أسرارها وأسلحتها، وما تظهره في المعارك لا تظهره إلا حسب ما تقتضيه الضرورة وما تفرضه المعادلة، لذا هدفت القسام إلى إبقاء الاحتلال في حيرة من أمره.