يُغالب الشيخ كرم شحادة مخاوفه، وهو يذهب لأداء عمله كخطيب وإمام لمسجد "الرباط" على أطراف قرية عوريف قضاء نابلس، فالذهاب والمجيء من المسجد لم يعد بالأمر الهين أبداً في ظل تربص المستوطنين بالقرية، واعتداءاتهم المستمرة عليها، وانتهاكهم حرمة مسجدها.
يتعرض المسجد لاعتداءات كثيرة من المستوطنين، إلا أن الاعتداء الأخير كان الأكبر والأصعب، إذ أحرقوا المصاحف ودنسوا حرمتها، "كنتُ قبيل الاعتداء بوقت قصير قد أخذتُ إذناً من وزارة الأوقاف بإقفال المسجد حتى تهدأ الأوضاع في محيطه؛ حفاظاً عليه وعلى حياة المصلين".
ويستدرك بالقول: "لكنّ المستوطنين باغتونا بهجومهم، فلم يكن هناك سوى مصلى واحد فيه بين صلاتيْ المغرب والعشاء، ففوجئ باقتراب المستوطنين من المكان، فخرج مسرعاً دون أن يُقفل الباب، فدخلوا وعاثوا فساداً في المكان".
العمل كإمام لمسجد" الرباط" (اسمٌ أطلقه عليه أهل القرية في إشارة لصموده أمام الاعتداءات المتواصلة التي يتعرض لها) منذ سبع سنوات خلت، لم تكن بالمهمة السهلة أبداً على الشيخ كرم، خاصةً عند الخروج لصلاة الفجر، التي يحسب لها ألف حساب، خشية أنْ يكون هناك مستوطنون أو جنود من جيش الاحتلال في المنطقة قد يعتدون عليه.
لا يبعد المسجد كثيرًا عن بيت الشيخ كرم، إذ يفصل بينهما مسافة 600 متر تقريباً، "رغم أنها مسافة بسيطة، إلا أن ما يمكن أن أتعرض له من اعتداء قد يصل لحد القتل، فقد شهدتُ في المسجد عدة اعتداءات تعرض خلالها المكان للحرق والتخريب".
اقرأ أيضًا: حماس تُدين تدنيس المستوطنين للمساجد وتمزيق القرآن في قرية عوريف
وأغلب مصلي مسجد الرباط من كبار السن، الذين لا تعينهم صحتهم على الذهاب إلى مساجد القرية البعيد، وهو أكثر ما يقلق الإمام كرم "في أحد الاعتداءات رجم المستوطنون أحد المصلين من كبار السن بالحجارة، وبالكاد أفلتناه من بين أيديهم وأدخلناه لأحد البيوت المجاورة".
غصة كبيرة
وحالت اعتداءات المستوطنين، وجيش الاحتلال الحامي لهم دون أنْ يستمر رواد المسجد من الأطفال والشباب في الوفود إليه، إذ يمنع الأهالي أبناءهم من الاحتكاك بالمستوطنين، "لقد أوقفنا فعاليات كدورات القرآن للأطفال إثر خشية الناس على حياة أبنائهم، ولم نعد نفعل شيئاً هنا سوى أداء الصلوات".
وترك اعتداء المستوطنين الأخير المريع "غصة كبيرة" في قلب الشيخ كرم، وهو يراهم يدنسون أقدس البقاع دون رادع، فقد أحرقوا المصاحف وكسروا الشبابيك، ورغم صعوبة الأوضاع أصرَّ على إقامة صلاة الجمعة الماضية فيه، رغم أن "الأوقاف" أخبرته بأن الحفاظ على حياة المصلين أولوية بالنسبة لها، وأنه يمكنه إبقاء المسجد مغلقاً، "لقد اضطررنا لاستجلاب بعض الشباب لكي يستطلعوا الطريق، ويعلمونا في حال قدوم مستوطنين".
ويشعر الشيخ كرم بالأسى، وهو مضطرٌ للصلاة بالخفية عن أعين المستوطنين وجيش الاحتلال، خاصة في صلاة الفجر، حيث لا يمكنه الخروج إذا ما لمس تواجداً لقوات الجيش في القرية، وهو أمر عادة لا يحدث، لكن عملية مستوطنة عيلي قلبت الموازين".
بؤرة توتر
والاعتداء على مسجد الرباط في عوريف جزءٌ من اعتداءات مستمرة تتعرض لها القرية، خاصة في حالة حدوث اشتباكات بين الاحتلال والمواطنين، كما يبين رئيس المجلس القروي لـ “عوريف" عبد الحكيم شحادة.
ويشير إلى أن المسجد الذي يقع في المنطقة الشرقية من القرية، يتعرض دائمًا للاعتداءات كون هذه المنطقة "بؤرة توتر" بين أهل القرية والمستوطنين وجيش الاحتلال.
اقرأ أيضًا: تركيا تدين اعتداء مستوطنين على القرآن الكريم بمسجد في نابلس
ويبين أن المسجد بُني منذ قرابة (25 عاماً)، ويتكون من طابق واحد "وبلا مئذنة، لم نستطع تطوير بنائه منذ ذلك الوقت".
ومسجد" الرباط" أو "الأمناء" (كما هو مدرج في كشوفات وزارة الأوقاف) واحدٌ من خمسة مساجد موجودة في القرية، لكنه الوحيد الذي يتعرض لاعتداءات متكررة، كونه يقع في منطقة التماس، بينما بقية المساجد توجد في داخل القرية.
ويروي شحادة مشاهداته عن يوم الاعتداء الأخير، الذي يُعد جزءاً من عشرات الاعتداءات التي تعرض لها المسجد قبل ذلك، "هجم على القرية قرابة 250 مستوطناً، دنسوا المسجد، وأحرقوا المصاحف، ومزقوها بين صلاتي المغرب والعشاء".
ويظهر مقطع فيديو نشر الخميس الماضي، مستوطنين يقتحمون مسجداً في قرية عوريف جنوب نابلس، بصحبة كلب بوليسي، قبل أن يمزق أحدهم نسخة من المصحف الشريف عند باب المسجد.
ومسجد الرباط ليس الأول الذي يتعرض لخطر المستوطنين، إذ تشمل اعتداءات المستوطنين على المساجد تدنيس المصاحف وحرقها، وتكسير النوافذ والأثاث، والكتابة على جدران المساجد بشتى أنواع الشتائم والرسوم العنصرية، ولا يقتصر التعدي على الممتلكات المادية فحسب، بل يتم تعريض المصلين للتهديد والاعتداء الجسدي أيضًا.