فلسطين أون لاين

تقرير شحذ السكاكين والذبح والدباغة.. مهن موسمية تنتعش بقدوم عيد الأضحى

...
شحذ السكاكين والذبح والدباغة.. مهن موسمية تنتعش بقدوم عيد الأضحى
غزة/ أميرة غطاس:

في متجر صغير يقف جلال أبو حية أمام حجر تجليخ كهربائي ممسك بسكين بالي لا يصلح للاستعمال، محوّلًا إياه إلى سكين جديدة بلونه الفضي الذي يكفي للتعبير عن مدى حدّته.

يسابق أبو حية الوقت لتلبية طلبات زبائنه ممن عقدوا النية لذبح "أضحية" عيد الأضحى.

ويلفت أبو حية (43 عامًا) إلى أن جودة السكين وحدّتها، شرطان مهمّان لذبح الأضحية بسهولة دون تعذيب ووفق الطريقة الشرعية، "وهذا أكثر ما يهمّ الرجال فيما يتعلق بالذبح وأدواته".

يقول لـ"فلسطين": تكثر هذه المهنة في موسم الأضحى، ويزداد فيه الطلب على نوعيات متعددة من السكاكين، "منها ما يصلح للذبح، وأخرى للسلخ، وغيرها للتقطيع، ولكلّ سكين طريقته في السّن التي تتناسب مع طبيعة الشيء الذي تُستخدم لأجله".

ويضيف: "يقتصر عملي على الأيام الـ10 من شهر ذي الحجة، وقد يمتد قليلًا إلى ما بعد العيد، وباقي العام أصنع الخناجر والسيوف".

وشحْذُ السكاكين، حرفة قديمة تصارع الاندثار، ترجع بدايتها إلى فلسطين، تحديدًا في مدينة نابلس، حيث كان يتوافد إلى السنانين زبائنهم من سوريا والأردن ولبنان، يشحذون هناك الساطور والسكين والبلطات.

ويوضح أبو حية، وهو مقعدٌ من جرّاء تعرضه لإصابة خلال مسيرات العودة قبل خمس سنوات، أن هذه المهنة تتطلب انتباهًا ويقظة شديدين، "لذلك نعمل بكلّ حذر، حتى لا نتعرض للخطر، خاصة في أثناء وضع السكين على الحجر وإدارته".

ويشير أبو حية أنه ورَّث المهنة لأبنائه الثلاثة، الذين بدورهم يساعدونه في عملية السنّ والتلميع، الأمر الذي يسهل على والدهم عملية الشحذ للانتقال بأسرع وقت إلى زبون آخر.

ويحدّ أبو حية السكين من خلال ماكينة صنعها بيديه، مستخدمًا أدوات متعددة كحجر الجلخ والمُستحدّ وغيرها، وفي ظل شح المواد بسبب الحصار، تنقصه الكثير من الأدوات الضرورية لعملية السَّنّ، منها ما يسمى "البرشام" الذي يتم تثبيت السكين به خلال العمل.

ويبين أنه ينتظر موسم عيد الأضحى ليحصل على مصدر يعيل أسرته، فليس هنالك مهنة أخرى يمتهنها، مشيرًا إلى أن ثمن سنّ السكين الواحدة يتراوح بين 2 إلى 5 شواقل.

وتعد الأيام التي تسبق العيد فترة ذهبية للعمّال في مهنة سن السكاكين والبلطات، موزعين على محافظات قطاع غزة الخمس، على اعتبار أنها تحقق لهم دخلًا ماليًّا جيدًا لعائلاتهم المستورة، في حين سجل إقبال المواطنين تراجعًا محدودًا على تلك المحالات هذا العام لأسباب عدة.

وعلى هوامش الفقر، وقلة ذات اليد، ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك، تزدهر مهن موسمية بين أزقة وأحياء المدن الغزية، في صورة تحارب البطالة والحصار وقلّة فرص العمل.

تجميع الجلود

حازم البياع (40 عامًا)، أحد الشبان الذين اتخذوا من تجميع الجلود مهنة لهم، وكان أحد الثلة الذين أطلقوا مبادرة لجمع الجلود، في محاولةٍ لمحاربة البطالة، وتشغيل الشباب، والمحافظة على البيئة مستغلًّا فترات المواسم خاصة.

يقول البيّاع لـ"فلسطين: "نعمل طيلة أيام العام في هذه المهنة، ولكنها تنشط في عيد الأضحى، في ظلّ الإقبال مئات المواطنين على سنة الأضحية"، مشيرًا إلى أن جمع الجلود يشكل مصدر دخل لا بأس به، ويعمل على إعالة أسرة.

ويشتري البياع الجلود من المذابح والمسالخ المنتشرة في قطاع غزة، ثم يعمل على تمليحها وحفظها، لتنقل إلى مدينة الخليل، وهناك تُدبغ وتُصنع منها الملابس والمقتنيات كالشنط والأحذية.

وأشار إلى أنه سيكون لهم معرضًا هو الأول من نوعه، سيعرض فيه منتوجات من الجلد الطبيعي الخالص، آملين أن تشكل مبادرتهم نواة لإعادة إحياء الصناعات الجلدية. 

وأهاب البياع بوزارة الحكم المحلي والبلديات بتبني هذه المبادرة، وتوفير أماكن لوضع الجلود، ونقلها بعد ذلك بالعربات إلى أماكن الجمع الخاصة التي توفرها البلديات.

الذبح

وعلى الرغم من المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها العاملون في مجال ذبح وسلخ الأضاحي، إلا أن الرغبة في الحصول على فرصة عمل لعدة أيام تزيل جميع المخاوف، ويحل مكانها رغبة العمل أمام البطالة .

حمزة البلبيسي (32 عامًا) أب لأربعة الأبناء، امتهن الذبح قبل ثلاث سنوات؛ بسبب ضيق العيش، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية في غزة.

يقول لـ"فلسطين": يحافظ عدد كبير من الغزيين على سُنَّةِ الأضحية، ما يعني حاجتهم إلى ذبّاح في مثل هذا الموسم، فقررت خوض التجربة والعمل، مشيرًا إلى أن موسم الأضاحي يُؤمِّنُ له مبلغًا يساعده في تلبية احتياجات أسرته.

ويتقاضى البلبيسي 300 شيقل على ذبح العجل في صباح أول يوم العيد، و250 شيقلًا في بقية أيام العيد الثلاثة، و100 شيكل على ذبح الخروف.

وعن خطورة الذبح، يؤكد أنه يتطلب تسلّحًا بالمعرفة الطويلة، فالأمر صعب ويحتاج إلى "المعلمين" في هذا المجال، سواءً من حيث المعدات الخطيرة: كالسكاكين الحادة، والآلات الكهربائية، أو حتى نوعية العجل، ومدى شراسته.

ويلجأ المضحون في غزة إلى الذباحين والجزارين لذبح أضحيتهم مقابل أجر مادي متفاوت، حسب نوع الأضحية (عجل/ ضـأن)، وزمان ذبحها، وطريقة تقطيعها.