داخل معملهما البسيط في بلدة عتيل شمال طولكرم، يتشارك الزوجان هيا حشاش، وعدي عتيلي في تصنيع الألبان والأجبان بناءً على طلبات الزبائن يومًا بيوم، إذ يدمجون بين طرق الجدات التقليدية، والأسس العلمية التي تعلماها كمهندسين زراعيين.
في البداية أرادت "هيا" أن يكون لها مشروع خاص تطبق فيه ما تعلمته في حياتها الجامعية، وفي الوقت نفسه تحسين ظروف عائلتها الاقتصادية، ففكرت أن تصنع اللبن والجبن من حليب الماعز والأغنام، والأبقار، بمذاق والدتها التي ورثت طريقة إعداده عن جدتها.
في البداية قامت هيا بتجربة صناعة اللبن والجبنة البلدية في بيتها وتفاجأت بانبهار زوجها وعائلته بالنتيجة التي فاقت مذاق المتوفرة في الأسواق، ما شجعها على طرح فكرة مشروع "ألبان وأجبان المهندس" على زوجها عدي الذي بدا متوجسًا منه في بداية الأمر.
تنحدر هيا (28 عامًا) من قرية عرابة جنوب غرب جنين، وتنتمي لعائلة ريفية تربي الأغنام، ومنذ وعيت على هذه الحياة ووالدتها تصنع اللبن، والجبن، واللبنة من حليب الأغنام على مدار العام بكميات تكفي أسرتها فقط.
تقول: "من هنا أردت صناعة لبن، وجبنة بلدية تحمل مذاق بيتي مميز، صنّعت بعضًا منها، وأشرفت على تسويقها لصاحب بقالة بالقرب من بيتي، بالرغم من معارضة زوجي الشديدة في البداية، ولكنه تفاجأ بزيادة الطلب من الزبائن على منتجاتي".
وتضيف: "لم أستطع الحصول على وظيفة في تخصصي، وبعد زواجي وانشغالي بتربية طفلين، لم يخفت حلمي بأن يكون لدي مشروعي الخاص، وفي ذات الوقت تحقيق المعادلة الصعبة للتوفيق بين أسرتي وعملي".
وعن رفض الزوج عدي في البداية لفكرة المشروع، يجيب في حديثه لـ"فلسطين": "خشيت من الفشل، ولا سيما أن السوق المحلي فيه منافسة شرسة بين شركات تصنيع الألبان المحلية، والإسرائيلية، والمستوردة أيضًا".
ويلفت إلى أنهما حوّلا في البداية غرفةً مستقلةً في بيتهما لمعمل متواضع كان اللبنة الأساسية لنجاح مشروعهما بالرغم من بساطته، وشهد محاولات لتجنب الإخفاق، ولكنهم في النهاية تمكنوا من التوصل إلى طرق علمية صحيحة وصحية في عملية التصنيع بعيدًا عن استخدام المواد حافظة.
ويشير عدي إلى أنه بعد زيادة طلبات الزبائن حصلت زوجته على دعم من إحدى الجمعيات التي عملت على توفير بعض المعدات الإنتاجية.
تصنيع وفق المواصفات
ويلفت إلى أنه بنى معملًا بسيطًا بجوار منزله بمواصفات صحية وعازلة للرطوبة، ويحافظ على المنتجات من التلف، ويحرص على استخدام أوانٍ مصنوعة من الستانلس ستيل الغذائي "304" في جميع مراحل عملية التصنيع.
ويبين أن هذا النوع من الستانلس، هو النوع الأكثر استخدامًا في المطبخ إذ أن له لمعانًا ساطعًا بسبب ارتفاع مستوى الكروم والنيكل، كما أنه شديد المقاومة للتآكل والصدأ، ويعد الأفضل لاستخدامات أدوات المطبخ.
ويذكر أن اللبن منتج أساسي يومي يصنعه من نحو 150 كيلو من الحليب يوميًا، إضافة إلى العديد من المنتجات الأخرى التي تصنع حسب الطلب كالجبنة النابلسية، والحلوم، والمجدلة، والقريش، والسائلة، القشقوان، أما الموتزاريلا فيجري عدة تجارب عليها لتُطرح في الأسواق قريبًا.
وعن مراحل التصنيع، يبين عدي أنه يجري عملية فحص للحليب بمجرد وصوله من مصادره، إذ يفحص درجة حرارته ودسمه وحموضته، ومن ثم يأخذ عينة منه ويغليها لقياس مدى نجاح أو فشل المنتج، ومن ثم ينفذ المراحل الأخرى لكل منتج على حدة.
ضعف الاهتمام
وبعد أن كان الزوجان يسوقان منتجاتهما في داخل بلدتهما عتيل، ذاع صيتهما خارجها إلى جنين، وقلقيلية، ورام الله. وعلى ذلك يقول الزوجان: إن قطاع الإنتاج الحيواني يعاني عدة مشكلات في فلسطين، نتيجة عدم الاهتمام بالزراعة من المؤسسات الرسمية فتتأثر عملية الإنتاج لتصل في عدة مواسم من العام إلى العجز.
ويشير عدي إلى أن حليب الأغنام يأتي عليه فترة انقطاع تمتد من نهاية سبتمبر حتى منتصف ديسمبر، فيضطر إلى التوجه نحو الأغوار لجمع كميات قليلة وتصنيعها بخسارة حتى يحافظ على وجود منتجاته في الأسواق.
ومن الصعوبات التي واجهها الزوجان في مشروعهما، يذكر أن منتجات الألبان والأجبان المستوردة والإسرائيلية تغزو الأسواق لأن ثقافة المجتمع تؤمن بأنها أفضل من المنتج المحلي وعلى عكس السائد فإن المحلي يفوقها جودة.
ويلفت عدي إلى أنه يجد صعوبة في توفر الخمائر "المنفحة" الجيدة في الأسواق، لذا يضطر إلى استيرادها من محافظة مأدبة في الأردن.
ويختم حديثه برسالة لكل شاب وشابة فلسطينية: "أي شخص يؤمن بفكرة حتى لو كانت بسيطة عليه ألا يتخلى عنها، مهما كلفه الأمر من خسائر وعراقيل، عليه ألا ييأس ويواصل حتى ينجح".