"الجيش رح يقتحم المخيم، واحنا بدنا نمنعه" كلمات دارت بين الشاب قيس جبارين (21 عامًا) ووالدته قبل ساعات قليلة من ارتقائه شهيدًا، بعد مشاركته في التصدي لاجتياح الاحتلال لمخيم جنين شمالي الضفة الغربية، الإثنين الماضي.
ظلّ الشاب "جبارين" يردد تلك الكلمات مرّات عديدة أمام والدته "شيرين جبارين" (36 عامًا) التي بات الخوف يُسيطر على قلبها والقلق لا يُفارقها، مع إصرار نجلها البكر "قيس" على تحقيق حلمه بنيل الشهادة في سبيل الله.
حينما اقتربت عقارب الساعة من الرابعة والنصف فجرًا، ذهبت الأم كعادتها لإيقاظ "قيس" لصلاة الفجر، فكان هذه المرة مُستيقظًا وكأنه يعلم أنّ جيش الاحتلال سيقتحم مخيم جنين في تلك اللحظات.
ينادي قيس على والدته وهي أم "لثلاثة أبناء" بعدما أيقظته وهمّت بالخروج فقال لها "الله يخليلي اياكي يما"، حينها شعرت الأم أنّ أمرًا ما سيحدث مع "قيس"، فازداد قلبها بالخفقان خوفًا عليه.
غلب النوم على الأم وحينها اقتحمت قوات الاحتلال المُدججة بالسلاح والعتاد العسكري ويرافقها آليات عسكرية عدّة مخيم جنين، وهنا وجد "قيس" الفرصة المواتية له لتحقيق حلمه، فراح يُشارك بالتصدي لهذا الاقتحام.
مضى الوقت سريعًا، فحين اقتربت عقارب الساعة من الخامسة والنصف فجرًا، رنّ هاتف زوجها مجدي، فكانت الرسالة "قيس مُصاب وهو الآن في المستشفى"، وفق ما تتحدث الأم شيرين عبر سماعة الهاتف لصحيفة "فلسطين"، والألم والحزن يُخيّمان على صوتها.
دبّ الفزع في قلبها وزوجها فتوجهت مُسرعة نحو مستشفى الرازي في جنين، حيث يتواجد نجلها "قيس"، كما تقول الأم، ثم جرى تحويله إلى قسم العمليات الجراحية ومضى فيها أكثر من 3 ساعات.
كانت إصابة "قيس" مباشرة في الرأس إذ أطلق قناص إسرائيلي مُجرم رصاصة غادرة استقرت في الجهة اليُمنى من الرأس وبقيت عالقة وفق تشخيص الأطباء، حسب والدته، إذ تُشير إلى أنّ نجلها وصل إلى المستشفى حيًّا ولكن بحالة صحية حرجة.
مع كل دقيقة تمرُّ يزداد القلق والخوف لدى والدة قيس، فتقول: "بعدما خرج نجلي من غرفة العمليات الجراحية، لم يخبرني الأطباء والأقارب بخبر استشهاده فورًا، خوفًا على حالتي من أن تزداد ترديًا".
لم تتمالك الأم المكلومة أعصابها في اللحظات الأولى لإخبارها عن نبأ استشهاد نجلها "قيس"، ثم تحكي "من زمان قيس كان يتمنى الشهادة، وربنا حقق له هذه الأمنية".
وتضيف "في الآونة الأخيرة توقّف قيس عن الحديث عن نيّته بالشهادة خوفًا على حياتي وتردّي حالتي الصحية، لكنني كنت أعلم أنه لن يصمت حتى تحقيق حلمه بالشهادة، فكان له ما أراد".
وتتابع أنّ نجلها "قيس كان متأثرًا باستشهاد رفاقه وأبرزهم عبد الله الحصري، وهو ما جعله مُصرًّا على الالتحاق بركبهم".
عبر سماعة الهاتف عدّدت والدة قيس مناقب نجلها الشهيد، "محبوب ونشيط" فلم تتمالك نفسها حتى انهالت بالبكاء، تقول بصوت خافت "استشهاد قيس أفقدني كلّ حياتي وكلّ شيء حلو فيها".
طيف "قيس" لا يفارق والدته التي لا تزال تتجرع هول الصدمة، فكلّ لحظة تمر عليها تُقلّب بها شريط ذاكرتها بالأحاديث التي دارت بينهما، لكنها استسلمت لقدر الله فتقول "الحمد لله الذي اصطفاه شهيدًا".
لقب الدكتور
يُخيّم الحزن على كلّ أزقة المخيم وحارة "القحليشة" حيث يسكن الشهيد "قيس"، الذي يحظى بمحبة كبيرة من عائلته وأصدقائه وجيرانه "وكلّ من عرفه".
"الدكتور قيس" هو لقب أطلقه أصدقاؤه وأبناء المخيم عليه منذ طفولته، حتى بات معروفًا به بين الجميع ووضعه اسمًا له عبر صفحته الشخصية على فيس بوك".
ومنذ اللحظات الأولى لاستشهاده ضجّت صفحته الشخصية بعبارات الرثاء والنعي التي تتضمن جميعها لقب "الدكتور قيس"، وِفق والدته.
لم تجد الوالدة المكلومة كلمات تُعبّر عما يجول في قلبها فقد اكتفت بقولها "الحمد لله.. الله يرضى عليك يما يا قيس".
وتُوجّه رسالة للاحتلال المجرم "الله يكسر جاههم اليهود المجرمين، حسبنا الله ونعم الوكيل، وإن شاء الله يضل أولادنا شوكة في حلقهم".
وختمت حديثها بوصية لعائلتها فتقول "بس أموت يدفنوني جنب ابني قيس".