لم تدخر حكومة المستوطنين جهداً في معاقبة الشعب الفلسطيني، والتسلط عليه، فمنذ مطلع السنة، هناك آلاف المعتقلين الفلسطينيين، والشهداء تجاوز عددهم 131 شهيداً، والجرحى بالمئات، ونسف البيوت بلا عدد، والاقتحامات للمدن والمخيمات لم تتوقف، وإغلاق الطرق بالحواجز العسكرية، والحواجز الطيارة متواصل، والتضييق على حركة المواطنين، وبث العيون في ازدياد، وصار الشغل الشاغل لأجهزة الأمن، فماذا تبقى للإسرائيليين من إجراءات عقابية لم تمارس بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية؟
وماذا بمقدور العدو الإسرائيلي أن يفعل ضد المواطنين الفلسطينيين، ليرعبهم، ويردعهم، ويحول بينهم وبين الانتماء إلى المقاومة؟
لقد مارس جيش العدو القصف بالطائرات، والاستعانة بأحدث أدوات القنص، بعد أن زجَّ بالمزيد من الكتائب المقاتلة إلى الضفة الغربية، واستعان بأحدث أنواع المركبات العسكرية، بما في ذلك تسيير الطائرات الخفيفة في سماء المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وبث العيون على الشباب، وتوظيف التنسيق والتعاون الأمني لخدمته، فاعتقلت الأجهزة الأمنية للسلطة عشرات الشباب المشتبه بانتمائهم لتنظيمات ترفض الاحتلال، ومع ذلك، لم ينجح العدو في الحيلولة دون اتساع رقعة المقاومة، واندفاع آلاف الشباب في اتجاه العمل العسكري المقاوم ضد المحتلين.
لقد دللت الأحداث المتتالية على أرض الضفة الغربية أن الشعب الفلسطيني قد عبر الخط الوهمي الفاصل بين الفعل الميداني المقاوم، وبين الجلوس عاجزاً، ينتظر الإحسان الأمريكي ببيان يعرب فيه عن انزعاجه من الاستيطان، الشعب الفلسطيني وصل إلى النقطة التي لا رجوع عنها في مواجهة الأعداء، ويشعر بلذة الوجود الفاعل، ويشعر بالمزيد من الثقة بالنفس، وهو يصارع في الميدان جيش العدو، فقد أدركت جماهير الشعب أن الطريق الوحيد لتحرير الأرض، والتخلص من سكين الإرهاب الصهيوني هو المواجهة، فالتذلل، والتوسل، والرجاء، والشجب، والاستنكار لن يحرر وطناً، ولن يعيد شبراً من الأرض الفلسطينية.
إضافة إلى القناعة بصحة مسار المقاومة، فقد شكلت الممارسات الإسرائيلية نفسها مادة التحريض للشباب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني كله موجود في طنجرة ضغط، يوقد العدو الإسرائيلي من حولها النيران، دون مراعاة لكرامة إنسان، ودون تقدير لحاجة الشعب إلى حياة آمنة مستقرة، بلا الاستفزاز اليومي من المستوطنين الصهاينة، لذلك شكلت العقوبات الإسرائيلية، والعدوان الإسرائيلي المتواصل مادة التحريض الأولى للمزيد من عمليات المقاومة، والمزيد من ردة الفعل المقاوم، والتي ارتدت على المستوطنين رعباً وفزعاً.
لم يبقَ في جعبة الحكومة الإسرائيلية من وسائل ضغط وحصار وقتل للفلسطينيين أكثر مما تقدم، لقد وصل الإرهاب الإسرائيلي إلى أقصى درجات التطرف، ولم يبقَ في يد الحكومة الإسرائيلية إلا المناورة بعقد مؤتمر يشبه مؤتمر العقبة، ومؤتمر شرم الشيخ، مؤتمر تدعو إليه أمريكا، وتحتمي فيه (إسرائيل) من نيران الغضب الفلسطيني، على أن يخرج هذا المؤتمر بمبادرة إسرائيلية، تعتمد الانسحاب من مناطق واسعة من الضفة الغربية، تحت بند إعادة الانتشار، كما حدث ذات يوم في قطاع غزة.