فلسطين أون لاين

تقرير "أرض محتلة وجسد محتل".. رسالة الصراع والصمود بالفن

...
رام الله - غزة/ هدى الدلو:

 

"في هذه الأعمال الفنية تنصهرُ الحدودُ الثابتة بين الذات والآخرين، أهيّئ الحواسّ لا لنبصرَ فقط ولكن لنحيا عبر فلسطين التي لا يمكن اختزالها بمحضِ مشهدٍ طبيعي".

بهذه الكلمات تعبر ريم المصري عن مشروعها الفني الذي يعرض في متحف جامعة بيرزيت "أرض محتلّة، وجسد محتلّ" الذي يجسد رحلة استشفاءٍ ينطقُ فيها الألم بوعد الحياة الكامن في فلسطين ضمن مشهدٍ غير طبيعيّ يمثل الاستيطان بوصفه سرطانًا يجتاح الأرض، وكيف أن أجسادنا وأرضنا تمثل تعبيرًا عن الماضي، وتجسّد الأمل بالمستقبل؟".

المصري، فنانة بصرية ولدت بالقدس عام ١٩٩١، حصلت على شهادة البكالوريوس في الفنون البصرية من جامعة القدس، ودرجة الماجستير في الفنون المعاصرة من الجامعة الوطنية للفنون بورج، بفرنسا ٢٠١٨، وتعمل مدرسةً في كلية الفنون والموسيقى والتصميم، بجامعة بيرزيت.

تبحث أعمال المصري العلاقة بين الأرض والذاكرة والهوية الذاتية عبر تفكيك وإعادة بناء العلاقة مع المشاهد الطبيعية والبحث في دلالاتها بين المرئي وغير المرئي، الثابت والمتغير، وتستخدم في أعمالها موادًا وتقنيات مختلفة منها الرسم، والكولاج والتركيب.

الجسد والأرض

وتقول مصري لصحيفة "فلسطين": "عبر العمل الفني أدعو لاستكشاف الحميميّة التي يتضمّنها التشويشُ بين تخوم الجسد والأرض"، وتطلب منا أعمالها للمشي فعليًا بأجسادنا في جسدها وفي الأرض سويةً، وتعلّمنا حميمية هذا الإلهام مقدارَ البسالةِ التي يقتضيها مزجُ الذاتيّ في الجماعيّ.

ولا ترتهن في عملها هذا إلى مفهوم التذكّر عبر عدم نسيان مشهدٍ طبيعيٍّ "مفقود"، ولكنّها تحثنا على التفكير بطريقٍ آخر عبر الفقدان والألم، وما هو أبعد منهما.

في عملها الفني "أرض محتلة وجسد محتل"، تدعو المصري الحضور إلى المشي بين شرائح بلاستيكية شفافة، وهو تجسيد لتحدٍ يواجه الزمانية والمكانية، إذ أهدف من هذا العمل إلى إيصال فكرة عدم ارتباط الحاضرين بحدود زمانية ومكانية محددة، بل أنهم يمتلكون القدرة على المشي بصورة لا نهائية ولا حتمية عبر طيات المشاعر".

وتشرح أن الفكرة بدأت تتشكل في ظل تجربتها الشخصية مع مرض سرطان الغدد الليمفاوية في المرحلة الثالثة، فعاشت خلالها في صراع لاختيار مكان العلاج، فاضطرت للعودة إلى فلسطين لتلقي العلاج بعد أن تبين أن العلاج الكيميائي اللازم غير متاح في المشافي الفلسطينية، لتواجهها تحديات في الحصول على تصريح علاجي والمرور بين الضفة الغربية والقدس، إضافة إلى الفحوصات الطبية والساعات الطويلة من الانتظار والتفتيشات الأمنية.

وتتابع مصري حديثها: "تلك الزيارة لفلسطين جعلتني أكون صورة أوضح عن كيفية تزوير الخرائط والحدود، واستكشفت العلاقة المعقدة بين الأرض والذاكرة والجسد والذات في أعمالي الفنية"، مشيرة إلى أنها في السابق كانت تركز في عملها الفني على الطبيعة ومشهدها.

معاناة واحدة

من تجربتها الشخصية، توصلت ريم إلى رؤية أنها والأرض المحتلة واحدان في المعاناة، فيستولي الاحتلال على أراضي وطنها، في حين يستولي السرطان على جزءٍ من جسدها، بناءً على ذلك، بدأت ريم تتعمق في دراسة العلاقة بين الذات والعام، وتجسيد هذه العلاقة في أعمالها الفنية. "ولذلك أسعى عبر العمل الفني إلى استعادة خريطة جسدها وخريطة بلادها، وتوجيه التساؤلات حول الطبيعة والذات".

ويمنح عمل مصري الفني الزوار فرصة للتفاعل بحرية مع الأصوات والجماليات المؤلمة والاستفزازية، ويشعر الزوار بتجربة فريدة إذ يمكنهم سماع قطرات العلاج الكيميائي، وملاحظة ظلال حركتهم وظلالها في أثناء المشي، ويتيح لهم هذا التفاعل أن يضيفوا تجربتهم الشخصية وتأثير الاحتلال الاستيطاني على أجسادهم إلى العمل الفني.

تتجاوز رسالتها الحدود الجغرافية والزمانية، وتلامس قضايا عالمية تتعلق بالهوية والصمود والتحرر، "وكفنانة تعبر تجربتي الشخصية بشكل مؤثر وجريء، وأجسد من خلال فني الروح الشخصية التي تميز الشعب الفلسطيني".

ومع كل عمل فني تقدمه مصري، تثبت أنها صوتٌ فني قوي، وتعكس بفنها قوة الإرادة والصمود في وجه الصعاب، ويعزز الوعي بالحقوق والظلم.

المصدر / فلسطين أون لاين