في غرفة صغيرة تحت منبر مسجد أبو خضرة شرق مدينة غزة، يجلس هشام برزق يوميًا بعد صلاة الفجر، يرمم نسخ من المصاحف الممزقة بأدوات بسيطة.
يعمل برزق (68 عامًا) مسؤولًا للصيانة في المسجد منذ 16 عامًا، وفي أحد الأيام تسلم عددًا لا بأس به من المصاحف الممزقة من مصلى النساء، فتوجه بها إلى إحدى المكتبات لإصلاحها، ليفاجئ بطلب مبلغ يفوق ما يتوفر معه من مال.
منذ تلك اللحظة أخذ برزق على عاتقه مسؤولية إصلاح تلك المصاحف بأقل الإمكانيات والتكاليف، فبدأ على طاولة صغيرة في المسجد، حتى رتب غرفة تحت المنبر ووضع فيها إنارة ومروحة وطاولة وكرسي ورفوف لوضع المصاحف لتبقى قريبة من يده.
بالتجربة تعلم برزق الطريقة الصحيحة لإصلاح المصاحف الممزقة حتى ذاع صيته وبدأت المساجد في أحياء عدة من مدينة غزة يرسلون إليه المصاحف لإصلاحها وإرجاعها، وآخرون يطلبون إعادة توزيعها على مساجد لديها نقص في المصاحف.
يقضي برزق نحو أربع ساعات يوميًا في إصلاح المصاحف يوزعها بين الصلوات الخمس إذ يجلس بعد الفجر ساعة، وبعد صلاة الظهر مثلها، وبعد صلاة المغرب كذلك.
ويتابع: "ولأن عدد المصاحف كبير استعنت بصديقي، إذ يقوم بمساعدتي بمراجعة المصاحف ووضع علامة على الصفحات المفقودة والممزقة".
ويضيف برزق: "بدأت بإصلاح المصاحف على نفقتي الخاصة، ومن ثم بمساعدة أهل الخير وتبرعاتهم النقدية تواصل المشروع".
ويوضح أنه في البداية تنقل بين عدة مكتبات للحصول على أقل الأسعار من أجل شراء اللاصق، والكرتون، والفواصل حتى وصلت إلى المستورد الأصلي لها، وحصلت عليها بسعر التكلفة، "وهذا مكنني من استقبال أي كمية من المصاحف من المساجد الأخرى".
ولعدم توفر خامة الكرتون الخاصة بالمصحف، يضطر "برزق" لاستبدالها بخامات أخرى أقل جودة، لافتًا إلى أن الأخطاء في عملية إصلاح المصاحف بدأت تتلاشى مع استمرار العمل إلى جانب سرعة الإنجاز.
والمصاحف التي يستقبلها برزق من العديد من مساجد غزة بعضها مهترئ ويمكن إصلاحه، وبعضها يكون تالفًا ولا يمكن استخدامه مرة ثانية.
ويؤكد برزق أن الهدف الأساسي من إصلاح المصاحف، هو الحفاظ على كتاب الله من التلف، لكونه واجبًا على كل مسلم، ورغبةً في نيل الأجر والثواب، منبهًا إلى أن المصاحف بحاجة لصيانة دورية، لكونها من ورق، ويتم تداولها بأيدي الصغار والكبار، فتعرضها للتلف بغير قصد أمر وارد، نظرًا لكثرة استخدام المصحف في التحفيظ، أو القراءة، والتسميع في مساجد غزة.
أما الحاج بهاء الدين سكيك، الذي يرافق "برزق" في عملية إصلاح المصاحف، فيعمل على فرزها وتفقدها لتمييز الصفحات المفقودة من المصحف.
ويبين أنه يقوم بتحديد الصفحة المفقودة ويطلب من المكتبة طباعة أخرى بديلة بنفس رسم المصحف المراد إصلاحه وباللون ذاته، مشيرًا إلى أن تفقد صفحات المصحف يحتاج إلى جهد ووقت وتركيز كبير، لتجنب أي خطأ في تجديد المصاحف.
ويقول الرجل السبعيني: إنه يساهم في إصلاح المصاحف للمساعدة بالأعمال الخيرية ولتسهيل مهام صديقه.
وينبه سكيك إلى ازدياد عدد المصاحف التي تحتاج للتجديد بعد شهر رمضان كل عام؛ نظرًا لكثرة التردد إلى المساجد وحفظ وتسميع القرآن في الشهر المبارك.
وفي هذا السياق يوجه دعوة لجميع المحفظين والمقرئين في مساجد القطاع، بضرورة إعطاء إرشادات للأطفال حول كيفية المحافظة على كتاب الله، ومنعه من التمزق، وتفقدها دوريًا، للتمكن من إصلاحها قبل تلفها تمامًا.