تناقض كبير في مشهد الشرق الأوسط الذي ترسمه تطورات دولية وخطوط حمراء على الأقل ظاهريا للدول العربية، وفي خضم هذا التشكل المبني على معادلة أمريكا في المنطقة تسعى (إسرائيل) لتثبيت جذورها تارة من مدخل ديني من خلال "هيكل سليمان" المزعوم في القدس وهدم المسجد الأقصى المبارك وتارة جغرافي من خلال حلم "الدولة الكبرى" من النيل للفرات.
وبين تلك التصورات يتسلل لأذهانهم الوجود واليهودية مغلفة بمصالح غربية أو حالة إنسانية تلصق بها فورا صورة نمطية تعززها في كل المحافل أنها واحة الديمقراطية بين مستنقعات استبداد وتخلف وتناحر وفوضى؛ علها هي الفوضى المصطنعة التي كانت تحدثت عنها وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايز حينما أطلقت نظرية تجديدية لإبقاء مفاتيح المنطقة بيدهم وهي "الفوضى الخلاقة".
يبرز التناقض هنا في رسالة (إسرائيل) التي تريد "العيش والتعايش" مع محيطها وتفتح في ذلك باب التطبيع والسفراء وما يلزم لتحقيق هذه النظرية، وفي نفس الوقت لا ترى في العرب غير غابة تعيش وسطهم بخوف ورعب مع أنها تلك التي نشرت الحرب والدم هناك في دول الجوار في حروب متعددة ومارسته عبر الوكلاء في مواقع أخرى، فتتسارع المواقف وتتحول المجريات إلى مناورات وعدوانات كما كانت سابقا من "النسر إلى الثعلب مرورا بعمود السحاب والجرف الصامد وأمطار الصيف وفارس الليل وقص العشب وكاسر الأمواج والسور الواقي"، على حد تسمية المحتل.
كلها أسماء عمليات عسكرية ومناورات تتراوح قوتها وحجمها بحسب المكان والهدف، ولكن هذه المرة تعتبر اللكمة ذات مغزى جغرافي من خلال التحرك على كل جغرافيا الجبهات وداخل بعض العواصم العربية من خلال جهاز الموساد، وكذلك مغزى معنوي بعد تدهور كبير طرأ على الردع الذي كان سياجا مهما أطال البقاء "للدولة خاصتهم" واليد التي تتغنى بها أذرعهم أنها طويلة في كل مكان.
اللكمة التي تعبّر نفسيا عن جهة تريد الانتقام والذهاب لأقصى ردع للطرف الآخر، تلك الكلمة تدلل على أن (إسرائيل) في ورطة لم تعد يسعفها الاجتماع هناك في شرم الشيخ ولا في العقبة ولا حتى حديث عميق في النقب، بين طموح التمدد والبقاء وبين الدونية التي تتعامل فيها مع العرب حتى المطبّع منهم وبين النظرية الأمنية التي لا ترى فيمن حولها إلا أدوات رعاية وتنظيم لها كي تبقى (إسرائيل).
تستمر (إسرائيل) في دورها الناشر للحرب المسيل للدماء والمغذي للفتن المتواصل في نزع الاستقرار، والأهم من هذا كله تجاوزها خطوطا دولية مثبتة كحقوق للشعب الفلسطيني ضمن قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة.
اللكمة هنا للقمة العربية الجامعة للعرب، فالطائرات الإسرائيلية قصفت دمشق بعد أيام قليلة من عودة سوريا لأروقة الجامعة فماذا عن القرار العربي الجامع بشأن ذلك؟ يسبقها ملف فلسطين ولبنان وغيرها من قضايا باتت (إسرائيل) المزعزع للاستقرار فيها.
اللكمة التي تتباهى فيها (إسرائيل) هي التي في مضمونها الإهانة للدول العربية، فحينما تتوزع على الجغرافيا فهي حتما إهانة لدول الطوق وتهديد مباشر بالذخيرة الحية للأمن القومي لها ولهيبتها وقراراتها وقمتها اليتيمة السنوية، بينما تسارع بعض تلك الدول لعقد قمم أمنية عديدة خلال العام راعيها أمريكا ومحورها (إسرائيل).
اللكمة إيذاء سياسي مباشر لكل مكونات المنطقة وإشعار مسبق بشلال دم وتهديد مجاني يكتمل أركان الجريمة فيه بشهود زور يذرفون دموع تماسيح حينما تنشر قاذفات الجار الرعب في عواصم بات التطبيع سيفا استفرد الاحتلال فيه وفرق بين الأخ وأخيه.