قلنا في مقال سابق إن لقاءات مصر مع قادة الفصائل مهمة، ولكن ما يتعلق بموضوعات النقاش والنتائج ما يزال في إطار (المعنى في بطن الشاعر)، أي أن مصر لم تفصح عنها، والفصائل كذلك لم تفصح عنها، ولأن الأمر يهم أطرافًا عديدة تولت صحيفة (الشرق الأوسط) تغطية الفراغ بما هو راجح، وبما هو من نسج الخيال، وجل الحديث منسوب لمصادر مطلعة، ولكن من هي المصادر المطلعة؟ لا إجابة. وهذه عادة الصحف ووسائل الإعلام حين تريد شيئًا يخصّ الجهة التي تمثلها أو تزودها بالمعلومات.
ما ذكرته المصادر كان أجندة طويلة ومعقدة ولا يحتملها اللقاء الأخير في مصر، الذي جاء بعد قتل الشيخ عدنان، ومعركة ثأر الأحرار، ومن هذه الموضوعات:
(الهدنة طويلة الأمد، والتهدئة القائمة، ومسئولية حماس عن ضبط الأمن في غزة، والقضايا الاقتصادية التي تخص غزة، والميناء، والبضائع، وحركة الأفراد من خلال المعابر، والتزامات السلطة، والغاز في غزة، والمعركة الأخيرة، واستهداف المدنيين، وهدم المنازل، والكهرباء لغزة، والمدن المصرية بغزة، وخلاف ذلك) وهذه أجندة طويلة وبها ملفات تتعلق بأطراف غير حاضرة في اللقاءات، وفيها فكر وسياسة بعيدة المدى كالهدنة طويلة الأمد، وهي قضية تثار في الإعلام دون رصيد من مباحثات حقيقية أو مقترحات مقدمة. إن في هذه الملفات فرصة جيدة لمن يحب أن يطلق العنان للخيال، من الزاوية التي يخدمها.
اللقاء الأخير في نظري لم يكن لقاء يناقش قضايا استراتيجية كالهدنة الطويلة، أو مشاريع اقتصادية كبيرة كمشروع غاز غزة، وجيد لو كان اللقاء الأخير قد ناقش بعض التسهيلات على المعابر للأفراد، وتسهيل وتخفيض أسعار البضائع المصرية الداخلة إلى غزة، إضافة إلى تقييم المعركة الأخيرة والعلاقة بين حماس والجهاد والرعاية المصرية عند الأزمات.
إذا أسفرت اللقاءات عن نتائج محددة في هذه القضايا اليومية المحدودة (المعابر والكهرباء والبضائع) تكون اللقاءات جيدة وناجحة، ونورًا على نور. إن من يتوسع في الخيال إما أنه يتحدث عما يتمناه، وإما هو يعبّر عن أشياء يريدها بطريق الخيال، أو هو يريد نسبة اللقاء للفشل وتحميل ما لم يتحقق لأحد الأطراف، ومن ثمة تجده ينسب نسج الخيال لمصادر، وشخصيات مطلعة دون تسمية أو تحديد للهوية. إن الإبهام والغموض ليسا الطريق الأسلم في كل الأحوال.