جَعلْ الفن جزءًا من الحياة اليومية للمواطنين مهمة حملها على عاتقه الفنان الفلسطيني "عبد الهادي يعيش"، فوسط زحام السعي اليومي وراء الرزق، في شارع "ركب" الشهير في رام الله أصبح من المعتاد أن يرى الناس "يعيش" وهو يمسك بريشته ويخط لوحاتٍ فنية من وحي الأحداث اليومية.
بداية صعبة
لم تكن البداية سهلة، فالانجذاب لهذا النوع من الفن والاعتياد عليه في شارع فلسطيني احتاج إلى وقتٍ امتدَّ لعدة سنوات، ولكن اليوم وبعد أحد عشر عامًا من هذه المبادرة أصبح الفنان "يعيش" معلمًا مهمًا من معالم الشارع الرئيس في المدينة.
فأن يصبح الفن جزءًا من يوم المواطن كان حلمًا بالنسبة لـ"يعيش"، فالفن المتجول مألوف في الدول الأوروبية لكنه ليس بالشيء الأساسي بالنسبة لشعب نام كالشعب الفلسطيني الذي يعاني ويلات الاحتلال ومرارة البحث عن لقمة العيش.
ولكن مع إصرار "يعيش" على التواجد في الشارع، بدأت الفكرة تنغرس تدريجيًّا في نفوس المواطنين الذين أصبحوا يترددون عليه ليشاهدوا لوحاته الفنية، بل ويطلبون منه أنْ يرسم لهم لوحات شخصية "بروتريه"، لقاء مقابل مادي.
وفي حال عدم وجود طلبات شخصية للمواطنين فإنّ "يعيش" يعمد لرسم لوحات شخصية من وحي الأحداث اليومية كالشهداء والأسرى كونهم جزءًا أساسيًّا من "التوليفة الفلسطينية والحدث اليومي الفلسطيني".
وقد اعتاد المواطنون في رام الله رؤية "يعيش" حتى أصبح يُلقب بـ"رسام المدينة" أو "رسام شارع ركب" حيث يتواجد يوميًّا في مكانه المعهود على حائط لمطعم للمأكولات الشعبية.
ويعزو سبب اختياره الرسم في "شارع الأنبياء" المعروف بـ "شارع رُكب"، لـ"ازدهاره بالمارّة وحيويته على مدار اليوم"، "هذا الشارع من الأماكن التي تحظى بحركةٍ دائمة في المدينة".
والفنان الفلسطيني "يعيش"، وُلِد في مدينة نابلس عام 1973، وهو مُدرِّسٌ للفنون الجميلة في إحدى مدارس رام الله، ومالك مركز "يعيش" للفنون في المدينة ذاتها، وعضو في رابطة الفنانين التشكيليين الفلسطينيين.
نظَمَ "يعيش" العديد من المعارض المحلية والدولية، وحصدَ عشرات الجوائز، إضافةً إلى الشهادات والدورات التي اكتسبها في العديد من دول العالم؛ مثل أمريكا والعراق والأردن.
تغير النظرة
ومنذ الصغر و"يعيش" قد اكتشف موهبته الفنية على يد خاله الذي التمس فيه موهبته أثناء وجوده في العراق، ثم عاد لـ"فلسطين" حيث أقام أول معرض فني له في عام 1997م.
ورغم تجاربه الفنية المختلفة فإن الرسم في الشارع يعتبره الجانب الأقرب لقلبه، حيث أنه يحوي تفاعلًا مباشرًا بين الناس والفن، بعيدًا عن المعارض المغلقة التي قد لا يدخلها أغلب الناس.
ويشعر "يعيش" بالسعادة لتغيُّر نظرة الشعب الفلسطيني للفن، "فمنذ عشر سنوات خلت أصبح هناك اهتمام كبير من الأهالي بإرسال أبنائهم للمراكز المختلفة لتعلُّم الفنون كنوع من التفريغ النفسي في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني".
ويضيف:" أصبح هناك حس فني متصاعد وإدراك لقيمة الفن لدى الكثيرين من أبناء شعبنا، وهناك تقدير للوحات التي تُرسم بأيدي الرسامين المحليين".
وبين أن الفن هو رسالة وجواز سفر وأداة للنضال تستطيع أن تنقل قضيتنا لكل أنحاء العالم بسهولة، "فالفن لغة يفهمها الجميع رغم اختلاف لغاتهم"، يتابع "يعيش".
ويشعر "يعيش" بالفرحة لإقبال المواطنين المتزايد على زاويته في الشارع، وطلب رسم لوحات معينة منه أو أن يعلمهم أساسيات الفن، خاصة الأطفال الصغار منهم، "كثيرون يُعبّرون لي عن فخرهم بتواجدي بالشارع وباللمسات الفنية التي يضفيها وجودي عليه".