يبدأ العرض المسرحي لمسرحية "مترو غزة" بحلم فتاة كانت نائمة على مقاعد تشبه مقاعد قطار أخذها من حيفا إلى غزة، وفيه تلتقي بالشاب محمد أبو سل الذي يعيش معها الحلم محاولًا تبسيط الصعاب التي تواجهها، مُلحًّا عليها بأن تصدق أنّ "مترو غزة" ليس حلمًا لكي تصل.
اختار المخرج الفرنسي العالمي "هيرڤي لويشيمول" ألا يتجاوز ديكور المسرحية التي عرضت على خشبات مسرح الحرية في مخيم جنين، تلك المقاعد مع خلفية بيضاء بدت في بعض الأحيان كأنها جدار، وفي أحيان أخرى كانت تظهر عليها مقاطع فيديو لأحداث حقيقية شهدها قطاع غزة من قصف وتدمير على وقع مؤثرات صوتية.
استوحى "لويشيمول" قصة المسرحية من العمل الفني "مترو غزة" للفنان الفلسطيني محمد أبو سل، وهو عمل تركيبي متعدد الوسائط، طرح من خلاله حلولًا لحركة النقل في القطاع المحاصر.
كان أبو سل قد صمم عمله الفني في أثناء إقامته الفنية في باريس في عام 2012، على أسس علمية بعد بحث طويل، بهدف طرح إمكانية إنشاء شبكات قطارات تحت الأرض تصل الضفة الغربية بقطاع غزة، وتصل مدن القطاع ببعضها.
جسر بين مكانين
يقول المدير الفني لمسرح الحرية أحمد الطوباسي، والذي يجسد شخصية محمد أبو سل: إنّ المسرحية بنيت على قصص وأحاديث افتراضية لركاب على متن مترو خيالي في منطقة وهمية تحت الأرض بقطاع غزة.
ويوضح أنّ المسرحية تضع جمهور الضفة الغربية في حالة تواصل مع غزة، "ليكون المسرح هو الجسر بين مكانين فصلهما الاحتلال والسياسة".
ويتابع الطوباسي: "شخصية محمد الحالمة تحاول أن تهون وتطوع كل الصعوبات على الأشخاص الذين يلتقيهم في المترو، ويدلهم على الطرق التي تجعلهم يتخطونها دون مشاكل، وكل ما يطلبه منهم أن يصدقوا بأنّ هناك مترو في غزة لكي يصلوا إليها".
ويضيف الطوباسي لـ"فلسطين": "قدمنا المسرحية بطريقة عمل مسرح بيكيت-الكاتب المسرحي الأيرلندي صامويل بيكيت-المبني على طرح القصص بأسلوب تجريبي في مكان متخيل".
ويشير إلى أنّ مسرح الحرية من واقع مسؤوليته الاجتماعية يستخدم الفن كوسيلة مقاومة ثقافية للاحتلال الإسرائيلي، الذي يقطع أواصر الوطن بالحصار، والجدار، والحواجز.
ويلفت الطوباسي إلى أنّ المسرحية عرضت في مخيم جنين على وقع أصوات رصاص الاحتلال، وجنازات تشييع الشهداء، والاقتحامات، والحصار الإسرائيلي لها.
ويؤكد أنّ الحضور الافتراضي لغزة على المسرح، واختيارها لتكون محور المسرحية، يؤشر على وحدة الجغرافيا التي لا تنصاع لأوامر التطبيع، والتمويل المشروط "فالقطاع جزء من فلسطين".
ومضى إلى القول: "أصبحت غزة بالنسبة لنا عالمًا آخرَ، فالغزيون لا يستطيعون زيارتنا في الضفة، ولا حتى في الأراضي المحتلة عام 1948، إلا في حالات خاصة".
ويحتاج المتنقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 48م إلى الحصول على تصاريح خاصة من الاحتلال الإسرائيلي، التي لا تعطى إلا في حالات خاصة خلال الأعياد أو لأغراض العلاج، وتخضع في كثير من الأحيان لابتزازات أمنية.
هوية وفضاءات متنوعة
ومن خلال مسرح الحرية يدعو الطوباسي الجهات المسؤولة والمؤسسات الخاصة، إلى دعم الفن الفلسطيني والمسرح الذي يواجه خطر الإغلاق بسبب غياب الدعم المالي، والمعنوي للفنان الفلسطيني الذي يواجه ذات المشكلات التي يواجهها الفلسطينيون كل يوم.
ويلفت إلى أنّ المسرحية التي بدأ الإعداد لها منذ عام 2020 تأخر عرضها بسبب جائحة كورونا، كما كان لمشكلة التمويل دور في تعطل العمل، مستدركًا "لكن بدعم من عدد من المؤسسات نجحنا في إنتاج هذا العمل، واليوم يرى النور على خشبة المسرح".
ويردف الطوباسي: "أكبر إنجاز نفخر به في مسرح الحرية أنّ أعمالنا المسرحية تهتم بأن تكون شاملة ومعبرة عن المكونات المختلفة بالهوية الفلسطينية، والسعي إلى تقديم عروضنا في الفضاءات المتنوعة على خارطة تحركاتنا، التي نأمل أن تكون في غزة حقيقة وليست حلمًا في يوم ما".
وعرضت مسرحية "مترو غزة" لأول مرة في مدينة القدس، وحيفا أيضًا، ولاقت صدى كبيرًا من الجمهور الفلسطيني، الذي طالب بإعادة العرض مرة ثانية هناك، وهو ما سيفعله القائمون على المسرحية في المدة القادمة، كما ستقدم عروضًا في كلٍ من فرنسا، وسويسرا في عام 2023، وفق الطوباسي.