بقبضة حديدية يعمّق رئيس السلطة محمود عباس تحكمه بالقضاء وجميع مفاصله لاستخدامه أداةً يحقق بها أهدافًا سياسية وقانونية له ولفريقه المحيط به، في تجاوز للقانون الأساسي الفلسطيني.
ويُعدُّ تعيين عباس مستشاره القانوني علي مهنا رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا الإثنين الماضي، أحد أشكال عبث رئيس السلطة بالقضاء، وتحويله إلى إحدى الأدوات التي يمتلكها إلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية بعدما استولى على زمام أمورهما كافة.
وانتهك عباس بقراره تعيين مهنا رئيسًا للمحكمة الدستورية، أحكام القانون الأساسي المعدل وقانون المحكمة الدستورية العليا وقانون السلطة القضائية، لكون قرار التعيين يحتاج إلى تشاور مع الجمعية العمومية للمحكمة وعدة جهات أخرى، وهو ما لم يفعله رئيس السلطة.
وفي إبريل/ نيسان 2016 أصدر عباس قرارًا رئاسيًّا بتشكيل أول محكمة دستورية فلسطينية عُليا، وهو ما جعله يتحكم في فصل أيّ منازعات مرتبطة بالسلطة أو الوزارات.
تغول رئيس السلطة
الخبير في الشؤون القانونية والقضائية عصام عابدين عدّ أنّ تعيين المستشار القانوني لرئيس السلطة رئيسًا للمحكمة الدستورية يأتي ضمن استمرار تغول عباس على القضاء ومنظومة العدالة.
ولفت عابدين في حديث لصحيفة "فلسطين" إلى أنه جرى تعيين مستشار رئيس السلطة رئيسًا للمحكمة الدستورية بعد وقت قصير من ورود اسمه في قضية فساد، وبدلًا من المحاسبة والملاحقة يتم تعيينه.
وعدّ المحكمة الدستورية العليا "محكمة الرئيس"، وأنها تفتقر للاستقلالية بشكل كامل، مشيرًا إلى أنّ قراراتها أثارت انتقادات هائلة وواسعة النطاق على مستوى المجتمع المدني الفلسطيني، واللجان الدولية في الأمم المتحدة، التي أكدت جميعها أنها غير مستقلة.
وأوضح أنّ كل ما يجري داخل المحكمة الدستورية مرتبط بالمرحلة الانتقالية القادمة، إذ ستستمر في لعب دورها كمحكمة السلطان، وفي عملية التوريث للحكم، والحصول على ختم المحكمة، في انتهاكٍ للقانون والدستور.
اقرأ أيضًا: تسريباتٌ جديدةٌ تكشف عن مهاجمة حسين الشيخ لمحمود عباس حول صراع "رئيس السلطة"
وأكد أنّ المحكمة الدستورية دورها حماية الدستور والحقوق والحريات وليس سحق الدستور، وهو ما حدث، منبهًا إلى أنّ انتقال مستشار رئيس السلطة إلى المحكمة مرتبط بمحاولات الحصول على موافقة المحكمة حول كل ما يجري بالمرحلة القادمة، بعيدًا عن الانتخابات، وتسهيل عملية توريث السلطة.
وشدّد على أنّ جميع قرارات المحكمة وفق القانون غير دستورية، لكون تعيين رئيسها تم بطريقة غير قانونية ومخالفة لقانون المحكمة الدستورية نفسها؛ الذي يشترط حضور رؤساء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مراسم القسم، وهو ما لم يحدث.
حكم شمولي
عضو التجمع الوطني الديمقراطي عمر عساف، أكد أنّ قرار رئيس السلطة تعيين مستشاره رئيسًا للمحكمة الدستورية يهدف إلى تعزيز قبضته على القضاء، ضمن السلطات الثلاث بشكل كامل.
وقال عساف في حديثه لـ"فلسطين": إنّ التعيين الجديد يعني تعميق الحكم الشمولي من رئيس السلطة على جميع مفاصل الحكم، واستخدام تلك المحكمة لخدمته.
ورأى أنّ عباس يواصل التفرد بالحكم وممارسة الديكتاتورية ليكون المُشرّع والمنفذ لجميع القرارات بعيدًا عن أيّ جهات رقابية سواء من المجلس التشريعي أو مؤسسات المجتمع المدني، عادًّا أنه يواصل بذلك العبث بالسلطة القضائية عبر سلسلة من الأنظمة والقوانين، لتحقيق مصالح تعود بالنفع عليه وعلى الفريق المحيط به، وليس لمصلحة الشعب الفلسطيني.
ولفت إلى أنّ عباس يثبت يوميًّا غياب الحكم الرشيد، وتغييب السلطات الثلاث، وزيادة الديكتاتورية.