قال (أنتوني بلينكن) وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أمام مؤتمر (إيباك) قبل أيام معدودة: "إن آفاق حل الدولتين بعيدة حاليًّا، لكننا مستمرون في التواصل مع الطرفين، وقال: إن التحركات نحو ضم الضفة الغربية، أو الإخلال بالوضع في الأماكن المقدسة يضر بآفاق حلّ الدولتين".
إذا كان بلينكن والبيت الأبيض يؤمنان بـ"حل الدولتين"، ويحذران (إسرائيل) من ضم الضفة الغربية، أو الإخلال بالوضع في المقدسات، لأنه يضر بآفاق "حل الدولتين"، فلماذا يقدّم في اللقاء نفسه أمام (إيباك) وهي المنظمة الصهيونية الأميركية الداعمة لدولة الاحتلال مليار دولار لمساعدة (إسرائيل) في تطوير القبة الحديدية، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية لماذا ينعى لهم ولغيرهم مشروع حلّ الدولتين، بقوله لا توجد آفاق حاليا لهذا الحلّ؟!
البيت الأبيض يعطي المال والسلاح والدعم السياسي لـ(إسرائيل)، ويعطي السلطة مخدرات كلامية لا تسمن ولا تغني جوعة جائع. هو يقول ندعم "حل الدولتين"، ويقول في الوقت نفسه لا آفاق لـ"حلّ الدولتين"، أي هو يقول الشيء ونقيضه في لقاء واحد، وساعة واحدة.
الواقع الميداني في القدس والضفة الغربية يقول: لا توجد فرصة لتطبيق "حلّ الدولتين"، لأن مشروع "حلّ الدولتين" حين طرحه بوش الابن كان يهدف منه الجانب الإعلامي، ولا يقصد منه الحقيقة السياسية، فأمريكا في عهده وبعد عهده، وحتى عصر بايدن لم تقم بخطوة عملية واحدة لتحقيق حل الدولتين، ولكنها تكثر من الحديث في موضوع "حل الدولتين" لمنع ردود الأفعال فحسب، أي هي تبيع السلطة مخدرات.
حكومات الاحتلال المتعاقبة بعد مقتل رابين لم تؤمن بـ"حلّ الدولتين"، ولم تسمح بالتقدم في هذا الحل خطوة واحدة، بل عملت عكس ذلك، فهي تشجع الاستيطان في الضفة من أجل تحطيم فكرة حل الدولتين في الميدان، ولعل أوسع خطوة ميدانية جارية الآن على قدم وساق لتحطيم ما تبقى من أمل في "حل الدولتين" هو قرب البدء في مشروع الاستيطان الكبير(E1) الذي يفصل شمال الضفة عن جنوبها، ويعزل القدس عن محيطها.
البيت الأبيض ومن خلال تصريحات بلينكن الأخيرة ينعى للفلسطينيين وللعالم "حلّ الدولتين"، ويمهد البيئة التي تجبر السلطة على تقبل هذا الواقع، وكذا تجبر البيئة العربية على تقبل هذا الواقع. وأنا حين أناقش "حل الدولتين" بين الحقيقة والوهم لا أبكي على ضياع هذا "الحل"، وجل الفلسطينيين لا يبكون عليه، ولا يرونه حلًا منصفًا، ولكن أناقشه لكي نقنع السلطة والمتنفذين فيها من أصحاب المصالح أن "حلّ الدولتين" كذبة كبيرة، وإن مشروعكم فشل وانتهى، وعليكم الاعتراف والتراجع، فلم يعد الشعب يقبل بمزيد من الوهم والخداع. المطلوب منكم أن تكونوا أكثر صراحة من بلينكن، وتقولوا للفلسطينيين والعالم نحن فشلنا ولا يوجد حلّ اسمه دولتان: واحدة لهم، وواحدة لنا. هم لهم الدولة والأرض، ونحن لا شيء لنا.