"التغريبة الفلسطينية مجددًا".. هكذا كان حال أهالي تجمُّع "عين سامية" البدوي وهم يكررون مشهد "النكبة الفلسطينية" قبيل عشر أيامٍ خلت بعد أن ضاقت بهم السبل ولم تعد لهم القدرة على الصمود بعد أنْ فقدوا كل مقومات الحياة، دون وجود أي نصيرٍ محلي أو دولي.
"لم يكن أمامنا من خيار سوى حزم أمتعتنا والرحيل، ولم يكن الأمر سهلًا البتة أن نرحل عن المكان الذي ولدنا وترعرعنا فيه ولم نعرف مكانًا غيره منذ نعومة أظفارنا"، وفق ما يقول مصطفى الكعابنة أحد أبناء التجمّع.
فأبناء عشيرة الكعابنة كانوا يعيشون في تجمع "عين سامية" الواقع على السهول الشرقية لقرية كفر مالك، على امتداد أربعة كيلومترات من بقايا مدينة رومانية عرفت باسم "ارام"، قضاء محافظة رام الله، بتعدادٍ سكاني يقارب الـ400 فرد.
ورغم افتقارهم لمقومات الحياة والبنية التحتية فإنهم لم يكونوا يشعرون بأي معاناة، لأنهم بدو معتادون على الظروف المعيشية الصعبة.
يقول مصطفى (50 عامًا): "لقد تدبرنا أمر الكهرباء عبر الخلايا الشمسية، أما المياه فكنا نجلبها عبر التركتورات من عين مياه تبعد عنا قرابة الكيلومتريْن".
ويضيف: "رغم قسوة الجو في ظل وجودنا في خيام وبركسات، وصعوبة التنقل لكننا ظللنا متمسكين بأرضنا التي ولدنا وترعرعنا فيها، حيث نعتمد في حياتنا على رعي الماشية".
اقرأ أيضًا: أهالي تجمع "عين سامية" يقررون الرحيل بعد تركهم وحيدين في مواجهة الاحتلال
كانت اللحظات الفارقة في حياة أهالي التجمع تعود لقرابة ست سنوات خلت حين زرع الاحتلال الإسرائيلي مستوطنين من "شبيبة التلال" الذين أحاطوا بالتجمع كالضباع وحاربوا أهله في لقمة عيشهم، فهؤلاء المستوطنين يمتهنون أيضًا حرفة الرعي.
أسوأ مما قبله
ويمضي مصطفى بالقول: "كل يومٍ كان يمر علينا في عين سامية يكون أسوأ مما قبله. صادروا المراعي وحرموا مواشينا منه، حدثت مناوشات بيننا عدة مرات وفي كل مرة يتدخل جنود الاحتلال لحماية المستوطنين ويعتدون علينا بالضرب والاعتقال، ثم يعاودون الكرة ويفتعلون المشاكل المرة تلو الأخرى وندفع نحن الثمن".
مرّت سنوات والحال يتغير من سيئ إلى أسوأ في عين سامية حيث فقد أغلب أهلها مصدر رزقهم وأصبحوا يبيعون مواشيهم لسد حاجاتهم وديونهم، على أمل أنْ تُفرج قريبًا لكن دون جدوى فالوضع يزداد سوءًا، "وتسلل الفقر إلى بيوت سكان التجمع".
ويتابع مصطفى: "شيئًا فشيئًا تضاءلت الثروة الحيوانية، كانوا يعتدون علينا ونحن نرعى أغنامنا ويعتقلوننا ويفرضون بحقنا غرامات باهظة. امتلكت 200 رأس من الغنم أصبح عددها حاليًا سبعين فقط، أرهقت الخسائر المادية كاهلنا حتى أصبحنا عاجزين عن توفير قوت يومنا، كنا نبيع بعضًا من الغنم لنشتري الأعلاف للبعض الآخر بعد أن ضاقت أمامنا سبل الرعي".
سيناريوهات متكررة
لم يترك أهالي عين سامية أرضهم من فراغ "فإخطارات الهدم كان تتساقط على رؤوسنا كالمطر، هدموا بيوتنا بدل المرة عشرة، ومؤخرًا تضاعفت مضايقاتهم لنا أضعافًا كثيرة، بحجج مختلفة".
ويقول حسن كعابنة: "تارةً يدّعون أنّ أغنامًا لهم ضلّت الطريق فيقلبون البيوت رأسًا على عقب، بحثًا عنها، ويثيرون الذعر في نفوس الأطفال والنساء، وقبيل رحيلنا بأيام أتوا لأحد سكان التجمع وادعوا أنه قد سرق ماشيتهم وصادروا 37 رأسًا من أغنامه".
اقرأ أيضًا: محكمة الاحتلال تقرر هدم مدرسة تجمع "عين سامية" شرق رام الله
وفي اليوم التالي لحادثة السرقة -كما يبين حسن- جاءوا للمنطقة وصادروا أغنامنا، فخشينا أن يعاودوا الكرة ويدعوا بأنها لهم، فاجتمعنا معًا وقررنا الرحيل عن المكان خشية على نسائنا وأطفالنا ومورد رزقنا.
ولم يكن قرار الرحيل بالسهل أبدًا على أهالي "عين سامية" الذين عايش أجدادهم النكبة الفلسطينية الأولى حين أجبروا على الرحيل من مدينة "بئر السبع" لكن الحياة لم تعد ممكنة في تلك الأرض التي تمسكوا بها لآخر رمق، "فكينا الخيم والبركسات وقلوبنا تتألم. استغرق الرحيل أسبوعًا كاملًا".
ويضيف: "لقد تكرر معنا سيناريو النكبة الفلسطينية الأولى فلم نستطِع حمل كل متاعنا وخيامنا، لقد حاصرنا المستوطنون وأخذوا يطلبون منا الرحيل بسرعة وإلا اعتدوا علينا".
ويتابع والعبرات تخنق صوته: "عدنا إلى نقطة الصفر، فنحن الآن في العراء، في منطقة الخلايل بين قرية المغير وخربة أبي فلاح، نسكن في ما أمكن لنا حمله من خيام وحديد، قلوبنا في التجمع حيث ذكرياتنا وكل ما نملك، وخشيتنا من ألا نتمكن من الاستقرار في مكان آخر في ظل الهجمة الإسرائيلية الشرسة على التجمعات البدوية بالضفة الغربية".