حتى اليوم لم يستطع قرابة أربعة آلاف طالب وطالبة من الالتحاق بمدارسهم في مدينة القدس المحتلة، رغم مرور قرابة الشهر على انطلاق العام الدراسي الجديد، ولكن دون افتتاح مدارس "دار المعرفة" التي ينتسب لها أولئك الطلبة المقدسيون.
وتعد إشكالية مدارس دار المعرفة، واحدة من المشاكل التي تواجه قطاع التربية والتعليم في مدينة القدس عموما وشرقي المدينة حيث المدارس المخصصة للطلاب الفلسطينيين تحديدا، بسبب سياسات الاحتلال الإسرائيلية الساعية لتخريب العملية التعليمية ونشر الفوضى والجهل.
ويوجد في القدس 180 مؤسسة ومدرسة تعليمية، موزعين على أربعة أقسام رئيسة، القسم الأول مدارس تتبع للسلطة الفلسطينية أو الأوقاف الإسلامية بنسبة 14%، ومدارس تابعة لبلدية الاحتلال تحت مسمى دائرة المعارف الإسرائيلية وتشكل حوالي 45%.
وكذلك يوجد مدارس خاصة وأهلية بنسبة 32%، إلى جانب مدارس تابعة لوكالة "أونروا" بنسبة تصل لـ3%، وكذلك يوجد قسم خامس فرعي متعلق بـ"مدارس مقاولات"، وهي مدارس أسسها أفراد، تقوم على استئجار مبانٍ للدراسة بينما يتقاضى المدرسون رواتبهم من بلدية الاحتلال.
وتشير التقارير الإسرائيلية إلى أن عدد المقدسيين ممن يتلقون تعليمهم حسب المنهاج الإسرائيلي لا يتجاوز خمسة آلاف طالب وطالبة من أصل 109 آلاف يجلسون على مقاعد الدراسة في القدس بين جيل 3 و18 عامًا.
خطط مدروسة
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد في القدس، ناصر الهدمي، أوضح أن الاحتلال ينفذ في مدينة القدس سياسات وإجراءات مختلفة تستهدف بشكل أساسي التعليم الفلسطيني، عبر محاولة تغيير المنهاج وتشويه الحقائق التي تضمنتها المناهج المقرة من قبل الاحتلال وتزييف الحقائق الفلسطينية.
وقال الهدمي في حديثه لصحيفة "فلسطين": "لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية الساعية إلى ربط قطاع التعليم الفلسطيني بالجهات الاحتلالية إشرافًا وإدارة، مع العمل على طمس معالم الثقافة العربية والإسلامية وإحلال الثقافة العبرية مكانها"، مؤكدًا وجود إجراءات وخطط مدروسة تستهدف تخريب الطالب المقدسي.
وتطرق الهدمي إلى أهم المشاكل التي تواجه قطاع التعليم المقدسي، مضيفًا: "يفرض الاحتلال عدة قيود على المراكز التعليمية ويقيد عملية منح التراخيص الجديدة، وكذلك يهمل جميع المدارس غير الخاضعة لسيطرته ويفرض عليها حصارا ماليا، فالمدارس التي تديرها بلدية الاحتلال تتميز بارتفاع نسبة أجور المعلمين مقارنة بغيرها".
وبين أن طباعة المنهاج والكتب تواجه مضايقات إسرائيلية متعمدة، وكذلك يعاني قطاع التعليم المقدسي من نقص في عدد الغرف المدرسية وتكدس الطلبة داخل الصفوف، إضافة إلى مشكلة غياب الخطط التطويرية التي تواكب متطلبات كل مرحلة.
وبعد شهرين من سقوط مدينة القدس عام 1967 قررت حكومة الاحتلال إلغاء البرامج التعليمية الأردنية التي كانت مطبقة سابقاً في مدارس المدينة وإبدالها بالبرامج التعليمية المطبقة في المدارس العربية في الأراضي المحتلة 1948، مع وضع يدها على جميع المدارس الحكومية ومديريات التعليم.
وسعى الاحتلال كذلك لفرض البرنامج التعليمي الإسرائيلي بصورة تدريجية، مع تضييق الخناق على المدارس الأهلية وذلك بإصداره "قانون الإشراف على المدارس رقم 5729 لعام 1969"، والذي شمل الإشراف الكامل على جميع المدارس، كما فرض على الجهاز التعليمي الفلسطيني إصدار رخصة مسبقة حتى يستمر في عمله.
منهاج سياسي
بدوره، لفت عضو اللجنة الأهلية للدفاع عن المنهاج في القدس، راسم عبيدات، إلى أن أخطر التحديات التي تواجه العملية التعليمية في مدينة القدس مرتبطة بالارتفاع غير المسبوق بنسبة التسرب من المدارس، إذ تقدر بحوالي 21% في المرحلتين الابتدائية والإعدادية وتصل لنحو 50% في المرحلة الثانوية.
وذكر عبيدات في حديث لـ"فلسطين" أن نسبة العجز في الغرف الصفية تزيد على 2600 وحدة في مختلف المدارس، إضافة إلى وجود 16 ألف طالب مقدسي بلا إطار تعليمي، مبينًا أن المنهاج داخل القدس ليس أكاديميا من ناحية تعليمية، إنما سياسي مزدحم بالتحريف للتاريخ والحضارة العربية والإسلامية.
وأشار إلى أن بلدية الاحتلال تمنع إدخال كتب المنهاج الفلسطيني إلى المدارس والمراكز التعليمية المقدسية، إلا أن لجان أولياء الأمور يستلمونها من وزارة التربية والتعليم في مدينة رام الله على مسؤوليتهم الخاصة، ويوزعونها على الطلبة خارج نطاق المدارس.
وقال: "هناك وحدة خاصة في وزارة التعليم الإسرائيلي تراقب كل معلم فلسطيني يشارك في أنشطة غير ممنهجة، وعلى ضوء ذلك جرى فصل مدير مدرسة و12 معلمًا بسبب مشاركتهم بأنشطة متعلقة بالهواية والتراث الفلسطيني".
وحول دور السلطة الفلسطينية في دعم تعليم القدس، أوضح عبيدات أن هناك قصورا بين في قضية عدم توفيرها دعما ماليا يساعد في تنمية العملية التعليمية في القدس وبما يسهم في معالجة المشاكل القائمة.
وبعد الاحتلال الإسرائيلي للمدينة المقدسة أعلن عن إغلاق مكتب تربية وتعليم محافظة القدس ونقله إلى مدينة بيت لحم، ما أفقد الجانب الفلسطيني حق الإشراف على المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة في القدس ومحافظاتها، رغم أن اتفاقية أوسلو أكدت خضوع قطاع التعليم بالقدس لصلاحيات السلطة.
وفي منتصف العام الجاري، صادقت حكومة الاحتلال، على خطة تعليمية تقضي بإدخال مناهج التعليم الإسرائيلية إلى المدارس الفلسطينية في شرقي القدس مع دعم المدارس التي تتبنى المنهاج الإسرائيلي ماديا ومعنويا على حساب تهميش المدارس التي تلتزم بالمنهاج الفلسطيني.