تتعدد أوجه الاستهداف الإسرائيلي لقطاع التعليم الفلسطيني في القدس المحتلة ضمن مخططات التهويد الممتدة منذ احتلال المدينة بالكامل سنة 1967، وهي تسير بوتيرة متصاعدة يحذَّر مسؤولون ومتحدثون من تداعياتها على مستقبل الطلبة الفلسطينيين ومؤسساتهم التعليمية.
ويندرج رفع علم كيان الاحتلال ومحاولة فرض ما يسمى "النشيد الإسرائيلي"، إضافة إلى فرض المناهج الإسرائيلية، ضمن مخططات تهويد التعليم في المدارس الفلسطينية في القدس.
وبحسب الناطق الإعلامي باسم اتحاد المعلمين الفلسطينيين في القدس أحمد الصفدي، فإن أذرع الاحتلال السياسية والأمنية والاستيطانية لم تكف للحظة واحدة عن استهداف التعليم في مدينة القدس.
وبين الصفدي لصحيفة "فلسطين"، أن نخبة من المعلمين طيلة سنوات الصراع مع الاحتلال وقفت في وجه الاحتلال وبذلت جهودًا كبيرة للحيلولة دون تهويد التعليم.
اقرأ أيضا: المناهج المحرفة.. هجمة إسرائيلية لتهويد التعليم بالقدس ومحو القيم الوطنية
وبين أن التهويد الإسرائيلي يطال أيضًا المنهاج الفلسطيني منذ دخوله القدس في تسعينيات القرن الماضي، عبر تحريفه، وتشويه التعليم وخاصة من بلدية الاحتلال في القدس وما تسمى "وزارة المعارف" الإسرائيلية.
ونبَّه إلى انقضاض سلطات الاحتلال الأشرس على المدارس الفلسطينية الأهلية والخاصة كان في عام 2022 في القدس، وتركز على مدرستي الإمام والإبراهيمية.
وأشار إلى محاولات الاحتلال المستمرة لممارسة نشاطات تطبيعية في المدارس الفلسطينية عبر الإغراءات المالية، وفرض دراسة اللغة العبرية والبرامج اللامنهجية، ورفع العلم الإسرائيلي، إذ قوبل ذلك بمجابهة قوية من الهيئة الوطنية في القدس واتحاد المعلمين والأهالي.
وأضاف الصفدي، أن سلطات الاحتلال لا يروق له ذلك، وهددت العديد من المدارس الفلسطينية بإغلاقها وسحب تراخيصها في حال استمرت في رفض الاحتفال بالأعياد اليهودية وتغيير العلم الفلسطيني ووضع علم الاحتلال.
وأشار إلى أن الاحتلال يفرض تغيير الرموز الدينية في المنهاج الفلسطيني ويضع مكانه مخططات لما يسمى "جبل الهيكل"، ويشطب أيضًا آيات قرآنية.
ولفت إلى أن العديد من المدارس الفلسطينية بحاجة إلى عمليات صيانة وترميم، تحول سلطات الاحتلال دون إتمامها، وهي لا تمنح التراخيص اللازمة لبناء مدارس جديدة للطلبة الفلسطينيين.
أسرلة التعليم
من جهته أكد المختص في شؤون التعليم بالقدس زيد القيق، أن محاولة "الأسرلة" لم تنحصر على المقررات الدراسية، بل اشتملت جميع الأنشطة اللاصفية، والتي تهدف إلى تشويش القيمة الوطنية في ذهن الطالب المقدسي.
وبين القيق في تصريح صحفي، أن لدى الاحتلال خطة يطلق عليها "الخطة الخمسية"، ويهدف منها إلى "إيجاد مواطن مقدسي ينتمي لـ(إسرائيل)"؛ مع تجريده بالكامل من الولاء والانتماء للقضية الفلسطينية وعمقه العربي والإسلامي.
ونبَّه إلى زيادة حادة في الهجمة على التعليم بالقدس منذ تشكيل ائتلاف حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو الذي يضم أشد وزراء الاحتلال تطرفًا، وقد أصبحت جرأة الاحتلال على التعليم أكبر وأكثر وقاحة.
وتابع: إن التعليم في القدس لم يصل هذه المرحلة من قبل، إذ تعدت هذه المدارس عملية الأسرلة في المناهج إلى الأسرلة في الأنشطة اللاصفية، وهذا مؤشر خطير يدل على أن واقع التعليم في القدس بات مدمجًا بصفات تطبيعية، لا وطنية.
وكانت سلطات الاحتلال ألغت في يونيو/ تموز 2022، تراخيص 6 مدارس في القدس، بذريعة تدريسها مضامين تحرض على (إسرائيل).
بدوره، أكد رئيس صندوق إعمار القدس سامر السنجلاوي، أن واقع التعليم في المدينة مأساوي، وذلك بسبب أن غالبية المدارس الخاصة باستثناء القليل منها، تعتمد على موازنات وزارة "المعارف" الإسرائيلية.
وأوضح السنجلاوي لصحيفة "فلسطين" أن هذه الموازنات صُممت بطريقة مغرية جدًا، إذ كلما لبت المدارس الخاصة شروطًا جديدة لـ"وزارة المعارف" كلما ارتفعت قيمة الموازنة المخصصة لها، مشيرًا إلى أن أهم هذه الشروط؛ تعليم اللغة العبرية، والابتعاد عن المنهاج الفلسطيني، واختيار نشاطات لا منهجية.
اقرأ أيضا: هيئة تدعو لمواجهة هجمة الاحتلال الشرسة لتهويد التعليم بالقدس
وتابع: أن غالبية المدارس أصبحت تدرس اللغة العبرية لأنها أصبحت من متطلبات الاحتلال في القدس، والأسوأ من ذلك عدم تعامل مدارس أخرى بالمنهاج الفلسطيني.
ونبَّه إلى أن الحل يتمثل بإيجاد ميزانيات عالية بديلة للميزانيات التي تحاول حكومة الاحتلال بها إغراء المدارس الفلسطينية، وهي تتراوح بين 85-90 مليون دولار سنويًا.
وعدَّ السنجلاوي أن السلطة في رام الله "تبتعد كليًا عن القدس، ولا تريد أن تقدم شيئًا للقدس وتحتفظ بها كشعار ومتطلب جماهيري فقط".
وحذَّر من أن عدم توفر ميزانيات المدارس سيؤدي حتمًا إلى سقوط قطاع التعليم في القدس تحت سيطرة الاحتلال بالكامل، محملًا السلطة المسؤولية بسبب تقصيرها وعدم قيامها بواجباتها تجاه قرابة 400 ألف مقدسي.
وقال السنجلاوي: إن "السلطة في اتفاق (أوسلو) 1993 تخلت عن قضية القدس، وما بعد (أوسلو) تركت القدس كليًا".