فاز أردوغان في الانتخابات وفشلت المعارضة، والسؤال اليوم ليس عن الفوز ولكنه عن الفشل، أي لماذا فشلت المعارضة وهي مجموعة واسعة من الأحزاب التقت معًا تحت زعامة حزب الشعب الجمهوري، حزب كمال أتاتورك، ورئيسه الحالي كليجدار أغلو؟
كانت أحزاب الطاولة السداسية تظن أنها بتحزبها ستفوز، كما ظنت الأحزاب يوم الأحزاب أنها ستنتصر بقوة تحزبها وكثرتها، ولكنها فشلت وهزمت، وكان هذا درسا لكل من يتحزبون لتحقيق النصر بالكثرة، إذ يقول لهم أهل المعرفة والحكمة النصر: الفوز ليس بالتحزب والكثرة، وإنما هو من عند الله، ومن الثبات على الحق.
أحزاب الطاولة السداسية كانوا شركاء متشاكسين في الرؤية والأيديولوجية المؤسسة لأحزابهم، وهم سيبقون كذلك متشاكسين في الرؤية في التجارب اللاحقة حتى وإن تحالفوا وتحزبوا على قاعدة المصالح. المصلحة التي جمعتهم هي إسقاط وهزيمة أردوغان والفوز بكرسي الرئاسة لتحقيق أهداف ومآرب أخرى لا يجتمعون عليها البتة.
الشخصية التركية لها سمات خاصة، فهي شخصية قومية، وهي إسلامية أيضا ولو بالهوية عند بعضهم، وهي عنيدة تعتز بعرقها التركي وترفض التدخلات الأجنبية ، وبالذات الغربية والأمريكية، وهي مستعلية بتراثها الحضاري كأمة قائدة للعالم في ظل العثمانيين، ولا تقبل التبعية للغير البتة، وهي شخصية تبحث عن الرفاهية والاقتصاد كغيرها من أبناء الدول الغربية.
هذه الشخصية لم تجد نفسها، وصفاتها، وقيمها، في الطاولة السداسية، فهي لا تريد التبعية لأمريكا، ولا الاتحاد الأورربي، ولا تريد دولة كردية، ولا تريد قيم اليسار والمثلية، ولا تقبل من يحتقر تاريخها. ولأنها كذلك على وجه الأغلبية وليس الإطلاق أعطت صوتها لأردوغان ومن معه، وقدمت لهم الفوز والنصر، لأنها رأت فيهم نفسها وقيمها.
الطاولة السداسية لم تكن مكوناتها منسجمة معًا، ولم تكن منسجمة مع الأغلبية التركية، ولم تتمكن من خداغ الشخصية التركية بالوعود والأكاذيب السياسية والأحلام المستقبلية، ولأنها فشلت في كل هذا قبل الصندوق، جاء الصندوق ليؤكد هذا الفشل، فرسبت بقرار الشعب، وفاز أردوغان.
هل تبقى الأحزاب مجتمعة في طاولة سداسية لتحقق معارضة متحدة وقوية؟! المعطيات تقول نعم ولا، وأرجح أنها لن تبقى مجتمعة مدة طويلة؛ لاختلاف الرؤى، ولتداعيات الهزيمة والفشل، فما الذي يبقي حزب المستقبل، وحزب السعادة والحزب الديمقراطي معًا؟ ثم ما الذي يبقيهم مع حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطية، وبينهم تاريخيًا وواقعيًا ما صنع الحداد؟ أتوقع أن تتباين مواقف أحزاب المعارضة في البرلمان، وأتوقع تغييرا لقادة حزب الشعب الجمهوري، والله أعلم.