احتلال أم فصل عنصري؟ سؤال يتكرر ولست أدري لماذا يتكرر بعد (٧٥) سنة من النكبة التي حلت بالفلسطينيين؟ إذ طردوا من وطنهم وقامت دولة (إسرائيل) مكانهم. الإسرائيليون احتلوا الوطن بقوة السلاح، وطردوا جلَّ السكان الفلسطينيين، فلم يتبقَ على أرض فلسطين منهم إلا قلة قليلة، ثم تكاثرت القلة مع سنوات الاحتلال، فبلغت الآن ٢٠℅ من سكان (إسرائيل)، ثم احتلت (إسرائيل) القدس والضفة وغزة وفيها 2.3 مليون نسمة، إذ إن من يقيمون على أرض فلسطين من سكانها الأصليين يبلغ (3.5) مليون نسمة، وهم معًا نصف عدد اليهود المحتلين لفلسطين، والبالغ عددهم (7) ملايين إسرائيلي.
هذا التطور التاريخي والديموغرافي هو من أوجد جدلية المصطلح (احتلال أم فصل عنصري؟)، وعززت الرواية الإسرائيلية هذه الجدلية في الثقافة الأوربية والأميركية، إذ تزعم الرواية الإسرائيلية أن اليهود هم أصحاب فلسطين، وهم مواطنوها الأصليون، وأن العرب قوم محتلون!
هذه الرواية تقبلها قادة ومفكرو الغرب من الاستعماريين الجدد، فهي تتناسب مع رؤيتهم للمشكلة اليهودية تاريخيًّا، ومع الحل المفضل لها، ومن ثم عملوا مع الإسرائيليين على نفي فكرة الاحتلال وساعدهم اتفاق أوسلو والتطبيع العربي على ذلك النفي، ولكن ثمة فلسطينيون يقاومون، وفلسطينيون يسكنون في أراضي فلسطين عام ١٩٤٨م، وآخرون يسكنون الضفة والقدس وغزة، ويخضعون لحكم الاحتلال الفلسطيني، وتظهر بين الفينة والأخرى مشكلات بينهم وبين الإسرائيليين ذات صبغة عنصرية، وتمييز عنصري عرقي وديني، ومظاهره عديدة: بعضها في القوانين، والمواطنة، والمساواة والعدالة، والبناء، وجدار الفصل العنصري، والمعابر، والمحاكم، ولكثرة المظاهر العنصرية وتعددها واصطدامها بقضايا حقوق الإنسان التي صارت عنوانًا للسياسات الخارجية في أميركا ودول اتحاد أوربا جعل هؤلاء المشكلة الفلسطينية مشكلة فصل عنصري، وتمييز عنصري، وقفزوا عن فكرة الاحتلال، إذ لم يعودوا يرون في (إسرائيل) دولة تحتل فلسطين، وعزز هذه الرؤية اتفاق أوسلو من ناحية، والتطبيع العربي من ناحية ثانية، زد على ذلك أن الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال ولا يجد فرصة جيدة للتحرير ينتقل بحكم الأمر الواقع إلى مطالب حياتية واجتماعية، كالعدالة والمساواة ورفض التمييز والفصل العنصري.
خلاصة ما أود قوله للإخوة الكرام الذين يعقدون ندوة علمية حول (جدلية المصطلح: احتلال أم فصل عنصري؟) أن أصل المشكلة وجذرها هو الاحتلال، وأن الحل يمكن في التحرير وإزالة الاحتلال، ولكن بسبب تخلف التحرير وما طرأ على فكرة التحرير من تحريف، ظهرت مشكلة الفصل العنصري عنوانًا يقف تحته من لا يستطيع العمل للتحرير. وعليه فالتمييز العنصري فرع عن الاحتلال، وهذا يدركه الفلسطيني وغير الفلسطيني، وعلى الفلسطيني واجب التمسك بإزالة الاحتلال في أثناء معركته مع العنصرية، ويصبح الجواب على سؤال الندوة : احتلال أم فصل عنصري؟ هو احتلال وفصل عنصري معًا، وبزوال الاحتلال يزول الفصل العنصري، والعكس غير صحيح.