بعد إعلان جامعة بيرزيت مساء الأربعاء الماضي فوز كتلة "الوفاء" الإسلامية بانتخابات مجلس طلبتها، لحصولها على 4481 صوتًا مقابل 3539 لكتلة "الشهيد ياسر عرفات" عن حركة فتح، عمّت الفرحة لدى الشارع الفلسطيني بسماع خبر هذا الفوز الثاني على التوالي للكتلة الذراع الطلابية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في كبريات الجامعات بالضفة، إذ سبقه فوز ساحق لكتلة "فلسطين المسلمة" على كتلة فتح في جامعة النجاح الأسبوع الماضي.
إن فوز كتلة "الوفاء" هذه المرة على كتلة فتح بفارق 942 صوتًا لم يأتِ من فراغ، وفي الوقت نفسه لم يكن أمرًا هيّنًا على الإطلاق، أو من قبيل الصدفة، بل هو نتيجة عوامل متراكمة من الأعمال والأفعال والتصرفات على المستوى الوطني، بمعنى أن الفلسطيني اليوم ليس كالفلسطيني بالأمس، لم يعد يسلّم بالأمر الواقع بسهولة كما خدع من قبل باتفاق أوسلو وتوابعه كالتنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية.. إلخ، لذا هو اليوم ينفر جملة وتفصيلًا من كل ادعاءات المشروع السياسي، ويميل كل الميل لمشروع المقاومة وما تفرضه على أرض الواقع من ردع الاحتلال.
حقًا فوز كتلة الوفاء بهذه الصورة المذهلة يأتي نتيجة عمل دؤوب لسنوات طويلة من الإعداد والتنظيم الجيد والوفاء والإخلاص لمسيرتها بالرغم من القمع والملاحقة والاعتقالات والمضايقات من جهة الاحتلال والسلطة معًا، بهدف تقزيمها وتحجيمها ومنعها من مواصلة طريقها، لكنها لم ترضخ في يوم من الأيام لمثل هذه السياسات العنصرية، بل رأيناها تسمو وترتفع هي والقائمين عليها بوعيهم ونشاطهم وتميزهم في جامعة بيرزيت بانفتاحها الاجتماعي، وما تبذله من مجهود أفضل في كل مرة عن السابق لخدمة الطلبة، خصوصًا على الطالبات، اللواتي يمثلن ما نسبته أكثر من 60%، ما يعني أنها (أي كتلة الوفاء) تهتم اهتمامًا كبيرًا بالفلسطينية، وأن الفلسطينية تجد من برنامج الكتلة ما يحفظ لها حقوقها الشرعية في المقام الأول، ثم تطلعاتها المستقبلية وما يفرضه عليها واجبها الوطني تجاه فلسطين.
لا شك أن كتلة "الوفاء" قد حققت بهذا الفوز التاريخي رقمًا قياسيًا صعبًا، بل يستحيل تجاوزه مستقبلًا، بسبب تنامي قوتها وزخمها في الضفة، وهذا ما يعكس واقع حالة الاستنزاف والإحباط المستمر لفتح، بأن حجم الخسارة التي منيت بها على مدار السنوات والعقود السابقة، كان كبيرًا، فقد أشرت في مقالي السابق في مستهل حديثي عن عدد المرات التي فازت فيها الكتلة، وأن الحركة الإسلامية موجودة بقوة في الضفة، بالرغم من مكابدتها العناء، إلا أنها تفوز أو تنافس على المرتبة الأولى في الجامعات الفلسطينية منذ أواخر السبعينيات، قبل إنشاء السلطة الفلسطينية وقبل انطلاق حركة حماس، إذ فازت منذ اتفاق أوسلو بالتحالف مع قوى اليسار في 1993، وفي الفترة بين الأعوام 1996-2007 فازت الكتلة سبعَ مرات من أصل تسع، في حين فازت شبيبة فتح مرتين، فيما هيمنت "كتلة الوفاء" منذ عام 2014 إلى الآن، باستثناء مرة واحدة فازت فيها فتح، وتعادلت القائمتان مرة واحدة.
عمومًا يمكن القول إن فوز الكتلة الإسلامية، التي تمثل الذراع الطلابية لحماس، حمل في طياته عدة رسائل وهي كالآتي:
1- إن الفوز الذي حققته الكتلة الإسلامية في جامعات الضفة ينم عن حضورها القوي ومدى تأثيرها في الشارع الفلسطيني، معنى هذا أن الأمر لا يقتصر فقط على طلابها، بل هناك قطاع عريض من الناس الذين يلتفون حولها، سواء كانوا من المناصرين أو المؤيدين أو من عامة الشعب، ويعود ذلك إلى قوة الطرح الفكري والسياسي لحماس، وتصدرها العمل المقاوم والانتصارات التي حققتها بفرض قواعد الاشتباك وتوازن القوة مع الاحتلال، في المقابل فشل المسار السياسي التفاوضي الذي تتبناه السلطة وفتح.
2- مثَّل فوز الكتلة الإسلامية في جامعات الضفة رسالة صادمة للقريب والبعيد المزاودين على الكتلة والحركة، أنه بالرغم من كل أشكال وأصناف العذاب والتضييق والمطاردة والتشويه، سواء من الاحتلال الإسرائيلي أم من قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية في الضفة الغربية، فما تزال رقمًا صعبًا يفرض نفسه بقوة في المعادلة الشعبية والنقابية والسياسية.
3- إن فوز الكتلة في جامعات الضفة مثَّل رسالة خاصة إلى حركة حماس، ما دامت هي تفاخر بفوز كتلتها في بيرزيت، وتعتبر أن هذه النتيجة استفتاء على شعبيتها، بأنها امتداد لبرنامجها المقاوم وتعمل على إثبات نفسها في كل الميادين، بطرح برنامجها المقاوم بديلًا للبرنامج المساوم، وقد عبرت على ذلك بفوزها في انتخابات كبريات الجامعات في الضفة (بيرزيت والنجاح الوطنية) من فئة الجيل المتعلم، فهذا الجيل ناقم على سياسات السلطة والتعاون الأمني المسيء في جميع الأحوال للقضية الفلسطينية، ناهيك عن تعطيلها الانتخابات للمجلسَين التشريعي والوطني، وعدم إصلاح منظمة التحرير، وحالة التماهي التي تتبعها في تحقيق المصالحة الفلسطينية، إضافة إلى ذلك العقوبات التي تفرضها على غزة وتقييد رواتب بعض من موظفيها، كل هذه الأمور انعكست انعكاسًا واضحًا على نتائج الانتخابات، وقد تكون سببًا كافيًا لتشوية صورة قائمة فتح، لما لحق بها من خسارة وتراجع في الشارع الفلسطيني.