فلسطين أون لاين

تقرير الشموع التقليدية.. حرفة فريدة تعكس هوية وتاريخ بيت لحم

...
التقاط.PNG
بيت لحم-غزة/ هدى الدلو:

ينهمك رمزي المصري ساعات طويلة في صناعة الشموع بالطريقة التقليدية داخل مشغله البسيط قرب كنيسة المهد في مدينة بيت لحم.

والشاب المصري (35 عاما) هو الوحيد الذي يعمل بهذه الصناعة الآخذة في التأكل، لكنه يرى فيها تعبيرًا عن هوية المدينة التاريخية.

يعود بذاكراته إلى بداية انخراطه في هذه الحرفة، ففي العاشرة من عمره كان بعدما ينتهي دوامه المدرسي يذهب إلى مشغل صناعة الشموع ليتعلم أسس هذه الصنعة التي احترفها أحد أبناء عمومته قبل هجرته وتسليمه مسئولية المشغل.

ويتحدث المصري لصحيفة "فلسطين" عن حرفة تصنيع الشمع بالطريقة التقليدية اليدوية، التي أصبحت شبه نادرة، والقليل من يستخدمها، فهي تتطلب تشكيل الشمع خاصة الطولي منه يدويًا الواحدة تلو الأخرى، وهي عملية تتطلب نفسًا طويلًا ومهارة والكثير من الصبر.

صناعة الشموع يدويًا "متعبة ومجهدة"، فمنذ ساعات الصباح يشعل موقد النار لإذابة المواد البترولية الخام المستخدمة في تصنيع الشمع وهي عملية تستغرق قرابة الثلاث ساعات لتخلو من أي تكتلات، وخلالها تتم إضافة مادة الأَسِد كمحسن خاص إلى جانب مواد أخرى.

يقول المصري: "خلال مرحلة الذوبان استثمر الوقت في ربط الخيوط القطنية الخاصة بالشمع على دولاب معدني تم تصنيعه ليسهل عملية صب مادة الشمع على الخيط، وعند وصول الشمع إلى درجة الحرارة المناسبة، يتم غمس الخيوط وتترك لتجف، ثم تعاد العملية مرة ثانية وثالثة ورابعة إلى أن أصل بها إلى الحجم الذي أريده".

خلال تلك المرحلة يجتهد للحفاظ على درجة حرارة الشمع المذاب ليتمكن من غمس الخيوط، وإلا سيضطر إلى الرجوع لعملية التذويب مرة أخرى، خاصة مع فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة.

وبعد الانتهاء من تشكيل الشمعة وقبل الدخول إلى مرحلة التجفيف يتم نقشها أحيانًا، أو إلصاق صور على الشمع السياحي ويتركها ساعات عدة لتصبح متماسكة قابلة للاستخدام.

أما الشمع الخاص بالأعراس فيتم تزيينه بعدما يجف بوضع بعض الإضافات واللمسات التي تضفي بهجة عند حمله، لافتًا إلى أن الخبرة والتجربة هما أساس نجاح عمله، "وهما من أوجدا للمشغل مكانًا في سوق مليء بالشموع المستوردة وأكثر جمالًا".

ويضيف المصري: "من يرى الشمعة جاهزة للاستخدام يعتقد أن عملية صناعتها هينة، ولكنها تحتاج إلى جهد وخبرة في المجال، خاصة للشمع الطولي، في حين الشمع الذي يصب في قوالب فآلية تصنيعه أسهل، حيث يضاف للخليط بعض المنشفات لتساعد على التجفيف".

وما يجعله شغوفًا ومحبًا لهذه الحرفة القيمة التي يعطيها الناس للشموع فهي لا تزال ترتبط بالأفراح وحفلات الميلاد وأسبوع المواليد والسياح الذين يتوافدون للمدينة، "فتعد هذه المنتجات من أهم التذكارات التي يشتريها السياح لارتباطها بالأراضي المقدسة، وللمسيحيين في تزيين الكنائس، حيث يرتبط إنتـاج الشـمع في الضفة الغربية بالبعـد الدينـي إذ اسـتُخدم في الكنائـس منـذ القـرن الثالـث الميلادي".

كفاح لأجل البقاء

وتواجه حرفة صناعة الشمع تحديات كثيرة بسبب الأنواع المستوردة التي تغزو الأسواق وخاصة الصينية التي تعد رخيصة الثمن مقارنة بما يتم تصنيعه محليًا، وتوجه البعض نحو الشموع بأشكال وأنواع مختلفة بعيدة عن الشمعة الطولية التقليدية.

ويلفت إلى أزمة جائحة كوفيد-19 وما تسببت به من إغلاقات ووقف للحركة السياحية في مدينة بيت لحم أثرت كثيرًا في عمل المشغل، إلى جانب أحداث المواجهات التي تدور في المدينة، حيث "يضع الاحتلال أمامنا العراقيل في توريد الشموع لمدن الداخل المحتل، ما يؤثر في تسويق منتجاتنا".

وينبه المصري على أن مشغله بات الوحيد في المدينة بعدما أغلقت عشرة مشاغل أبوابها بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة "التي تأثر بها ولكني أحاول الصمود بالعمل على تطوير المشغل ولكن كلما أخطو خطوة للأمام أرجع ثلاث خطوات للوراء"، وفق حديثه.

ويذكر أن مدينة بيت لحم من أوائل المدن التي بـدأت في إنتـاج الشـمع الأبيـض البسـيط الـذي يسـتخدم في الكنائـس، ثـم أخذت طابـعًا سـياحيًا، وباتت تنتـج شمعًا بأشـكال وأحجـام وألـوان مختلفـة.

ويبين أن هذه الصناعة موسمية، إذ يقل الطلب عليها في فصل الشتاء وتنشط في الصيف، معربًا عن أمله في أن يتمكن من التوريد لكل مدن فلسطين، وتوسيع نطاق عمله.

المصدر / فلسطين أون لاين