قبل سبعة عشر عامًا كان "علي" نجل قائد كتائب القسام في الضفة الغربية إبراهيم حامد من بلدة سلواد برام الله، طفل لم يتجاوز الثامنة من عمره.
لكنه يتذكر ذلك اليوم البارد الجاف من كل شيء، عندما اعتُقل والده على يد قوات الاحتلال، ليكبر "علي" ويصبح رجلًا دون أن تغيب عنه تلك الذكرى.
يقول علي حامد عن ذلك اليوم: "يكاد يكون الهواء منقطعًا، قيظ يملأ الفجر قبل النهار، ثم أعقبه ليل اعتقد أنه خيّم على قلوبنا، واحتار الليل أهو المواسي أم نحن!!".
في الذاكرة
وأضاف: "خرج الوالد أخيرًا وتبدّت شيئًا من الصورة، كنتُ مشغولًا بالبحث عنه، أراقب الشاشة لأتعرّف على الرجل الذي يسكننا ولم يساكننا إلا القليل، وقتها لم أعرفه "قائدًا كبيرًا" ولا "مُطاردًا خطيرًا" ولا "أحد عمائم كتائب عز الدين القسام"، ولا معظم الأوصاف التي عرفتُها لاحقًا، عرفتُه وقتها بوصفه أبي، وبقي أبي، وبقي يكبر معي منذ ذلك الحين وحتى اليوم".
ولا تحفظ ذاكرة علي إلا صورة متناثرة في أزقّة الذاكرة، كان يُحفّز ذهنه وذاكرته ليطابقا صورة والده العالقة في رأسه بما رآه في التلفاز.
الظهور الأول
في أول ظهور للقائد إبراهيم حامد، كان قد مضى على اعتقاله ستة أعوام، كان في قاعة محكمة "النطق بالحكم"، حيث يصف نجله علي المشهد بالدراماتيكي، فالطفل ذاته الذي كان واقفًا أمام شاشة التلفاز يبحث عن أبيه ويحاول أن يسترده ولو بذاكرته الطفولية حين اعتقاله، يقف الموقف هذه المرة وقد مضى عليه الكثير، بعد أن كبُر مع أبيه ستة أعوام.
اقرأ أيضًا: إبراهيم حامد.. الرجل الذي أعجز الشاباك مطاردًا وأسيرًا
ظهر القائد القسامي إبراهيم حامد فارسًا جوادًا أصيلًا، يعتلي على الغطرسة الاستعمارية ووقاحتها، غير آبه بالمحكمة، ولا بهذا الوحش الذي هو وهم من غبار، أو كما قال الشاعر في وصفه أبطال عملية زقاق الموت "رأيناهم بقسم الله قد برّوا".
كان القائد إبراهيم حامد قد أمضى حينها مدة التحقيق كلّها، لم تنقص يومًا، دون أن يعترف، ثم أدخلوه في توقيف طويل استمرّ خمس سنوات، ثم حاكموه وحَكَموه.
بقينا هناك
بعد سبعة عشر عامًا كبر علي مع أخته وأمه، لكنهم بقوا هناك، في ساعة استثنائية اجتمعت فيها هذه العائلة خلال شتاء عام 2000، ثم لم يكتمل نصابها حتى اليوم.
يحرس "علي" تلك الذكرى اليتيمة بالتذكر، حتى أدخل هذا الفعل ضمن عاداته اليومية، فحارسنا لو غفل عن التذكر يومًا سينتصر عدوّنا!.
ويرى نجل القائد حامد أنّ الأسير مستمر بفعله النضالي غير منقطع، خلاف ما يعتقد العدو، أنه يُقيّد ويغلق أفعال أولئك الذين هبّوا لقطع الطريق عليه وعلى مشروعه الاستعماري، فهؤلاء يقاتلونه، ويخبروننا بفعلهم هذا أنه لا بدّ من قتال العدو أن يكون، وأنّ دحره آكد كما قتاله، كما علّمتنا التجربة أيضًا، أنّ الأسرَ أسرُ الأوهام، فالذي يحيا مع وهم الصلح مع الاحتلال أسير.
ويؤكد علي أنهم يحيون مع الأمل بالله، ليست مجرد كلمة يقولها، فالمقدرة على تحمُّل سبعة عشر عامًا من الفراق هي من ألطاف الله تعالى.
ابن جامعة بيرزيت
والأسير إبراهيم حامد قائد كتائب القسام في الضفة الغربية، اعتقل بتاريخ 23 أيار/ مايو لعام 2006، خلال عملية عسكرية واسعة لجيش الاحتلال في ضاحية البالوع شمال مدينة رام الله، وذلك بعد مطاردة استمرت لأكثر من 7 أعوام.
تخرج من جامعة بيرزيت في تخصص العلوم السياسية، وعمل في مركز الأبحاث التابع لها، كما انتقل كباحث في قضايا اللاجئين لجامعة القدس المفتوحة برام الله، فأصدر العديد من المؤلفات والأبحاث حول القضية الفلسطينية.
بدأت قصة ملاحقة إبراهيم حامد عام 1998م، عندما أعلنت سلطات الاحتلال ورود اعترافات عسكرية خطيرة عليه.
وبعد سنوات من المطاردة المضنية تمكنت قوات الاحتلال، من اعتقال المجاهد الشيخ إبراهيم حامد، وحكم عليه بالسجن المؤبد 54 مرة أي ما يعني 5400 سنة.