مرة أخرى يفشل العدو الإسرائيلي في تحقيق أي أهداف بعد أن شن عدوانًا وحشيًّا مفاجئًا من الجو عبر الطائرات الحربية والمسيرة على قطاع غزة، وظن أن توجيه ضربة مباغتة للمقاومة الفلسطينية، واغتيال أبرز كوادرها يمكن أن يحقق أهدافه ويحسم المعركة بالضربة الأولى، وقد ظهرت أهداف العدو من خلال تركيزه على إضعاف المنظومة القيادية بالاغتيالات، ومحاولة القضاء على القدرات الصاروخية، فضلًا عن محاولته خلق شرخ كبير بين فصائل المقاومة في غزة، وفرض معادلة ردع جديدة (ترمم حالة الهزيمة) والانتكاسة التي لحقت به، خصوصًا بعد معركة سيف القدس عام 2021، وما تبعها من جولات تصعيد محدودة.
إلا أنه تفاجأ بواقع ومعطيات مختلفة فرضتها المقاومة منذ الضربة الأولى، حتى تفشل أهدافه وتجعل مهمته عسيرة وصعبة للغاية في عملية (ثأر الأحرار)، وقد تمثل ذلك في:
تصدير موقف وطني جامع بأن الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة هي صاحبة الرد على الجريمة، وهي من تستعد للتعاطي مع هذا العدوان.
اتخاذ قرار بتأخير الرد، الأمر الذي أدخله في حالة من الإرباك والاستنزاف على صعيد قواته العاملة وعلى صعيد جبهته الداخلية،
توجيه ضربات صاروخية مكثفة ونوعية، غطت جميع المستوطنات ومدن العمق داخل الكيان، هذا ما جعله في موقف صعب، لفشله في حسم المعركة، ونفاذ خياراته، أمام الصمود الأسطوري، والموقف الوطني المقاوم الموحد، وأمام استمرار توجيه ضربات صاروخية لجبهته الداخلية، ورفع سقف التهديد من المقاومة.
هذا ما دفع الاحتلال إلى الإعلان مرارًا بأنه إذا توقف إطلاق الصواريخ سيوقف هجماته على غزة، لكن المقاومة لم تلقِ بالًا لتصريحات قادة العدو، واستمرت في إطلاق الصواريخ حتى الدقيقة الأخيرة، بما فيها لحظات التفاوض من خلال الوسطاء، الأمر الذي مكن المقاومة من فرض شروطها تحت النار على العدو، وفي النهاية وبعد تردد قادة العدو رضخوا صاغرين لشروط المقاومة أمام الوسطاء، لكنهم حاولوا تسويق أي نصر للجبهة الداخلية، عبر خطابات تفتقد لأي رصيد حقيقي، وكان آخر ذلك حديث رئيس وزراء العدو مؤخرًا حول نجاح العملية الأخيرة في خلق ميزان ردع مختلف مع غزة.
لكن اللافت بأن قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أبدوا عدم رضاهم عما وصفوها "بالتصريحات المبالغ فيها" حول ميزان الردع مع قطاع غزة في ضوء العملية الأخيرة، وبحسب صحيفة معاريف فقد أوردت بأن: المؤسسة الأمنية ترى أنها غير راضية عن العملية وإدارتها ونتائجها، إلا أنها تفضل بث خط متواضع فيما يتعلق بالاستفادة من نتائجها، وهذا ما طلبه رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هيرتسي هاليفي.
هذا يعني أن العدو لم يفلح في تغيير الواقع في غزة، وأخفق في وقف أو خفض التهديدات، وفشل بشكل ملحوظ في تحقيق أهداف المعركة، خصوصًا أن الإطلاق الصاروخي استمر حتى اللحظات الأخيرة، وأن إمكانية تعرض الأهداف والمصالح الإسرائيلية لمخاطر لازالت واردة ولم تنتهِ بعد، وأن تصريحات نتنياهو غير مسؤولة وتفتقر لأي رصيد حقيقي، وجاءت في سياقات تخدم مصالحه دون أي اعتبار لما أفرزته المعركة.
وبالتالي: فإن خطاب نتنياهو الأخير هو محاولة يائسة لرفع أسهمه، وتعزيز صورته، واستعادة مكانته وقاعدته الجماهيرية في ظل احتدام الصراع الداخلي، وهو محاولة لتسويق نصر يرضي مطالب المكونات المتطرفة داخل الحكومة، وداخل المجتمع الصهيوني؛ ليكسب مزيدًا من الدعم والتعاطف، لكن لا المعطيات في غزة تخدمه، ولا تقديرات وموقف المؤسسة الأمنية يمكن أن تعزز ما صرح به، لذلك فإن تصدير الأزمة الداخلية باتجاه غزة كان تصرف خاطئ، ولن يجني من ورائه نتنياهو أي مجد أو انتصار جديد هذه المرة أو أي مرات قادمة.