حالة الجدل التي يسوق لها البعض عن دور كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس في معركة "ثأر الأحرار" لها هدف واحد فقط، وهو شق صفوف المقاومة الفلسطينية وإفشالها، وخلق حالة من البلبلة والارتباك بين الحركتين، ومحاولة بث الفرقة بينهما، ومن يقوم بهذا الدور الخبيث، لا يدرك النهج الذي تسلكه الحركتان المقاومتان في لغة الحوار، فالاختلاف لا يفسد للود قضية، وأي معركة يخوضها أي فصيل فلسطيني ضد الاحتلال توفر له غرفة العمليات المشتركة الحماية، وتدفع بالحاضنة الشعبية للوقوف إلى جانبه ومساندته، وتمده لوجستيًا بما يلزمه، وتتبنى مواقفه السياسية بالكامل، والحقيقة أن هذا كان حاضرًا في "ثأر الاحرار" فالمعركة كانت تدار من داخل غرفة العمليات المشتركة بمسؤولية كبيرة، وتضم الغرفة حاليًا 12 ذراعًا عسكريًا، على رأسها "كتائب القسام" و"سرايا القدس"، إضافة إلى "كتائب شهداء الأقصى-لواء نضال العامودي"، و"كتائب شهداء الأقصى-جيش العاصفة"، و"كتائب شهداء الأقصى-مجموعات الشهيد أيمن جودة"، و"كتائب عبد القادر الحسيني"، إلى جانب "ألوية الناصر صلاح الدين"، و"كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية"، و"كتائب أبو علي مصطفى"، و"كتائب الشهيد جهاد جبريل"، و"كتائب الأنصار"، و"كتائب المجاهدين" وفي معركة ثأر الاحرار استشهد خمسة من كتائب أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية، واثنان من كتائب المجاهدين، وأظهرت الوية الناصر صلاح الدين فيديوهات لصواريخها التي انطلقت من قطاع غزة تجاه مغتصبات الاحتلال، وكتائب المقاومة الوطنية التابعة للجبهة الديمقراطية، وكتائب شهداء الأقصى الذين أظهروا فيديوهات مماثلة، وثمّنت حركة الجهاد الإسلامي دور الفصائل الفلسطينية في هذه المعركة التي تحملت مسؤولية قيادتها سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
وقد يسأل سائل وأين حماس من هذه المعركة، دخول حماس العلني في معركة ثأر الاحرار كان يعني إتاحة المجال للاحتلال بزيادة وتيرة العدوان باستهداف الأبراج السكنية، والمقار الحكومية ومراكز الشرطة والجامعات والمساجد والبنية التحتية، صحيح أن الاحتلال كان سيتكبد خسائر أكبر أيضًا في حال دخول القسام لهذه المعركة، لكن حماس تراعي مسؤوليتها المباشرة عن إدارة شؤون القطاع، وتوفير حالة الاستقرار للسكان، وتأمين لو الحد الأدنى من حياتهم المعيشية، في ظل الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد على خمسة عشر عامًا فهي ما تزال تقوم بإعادة إعمار البنية التحتية لسكان قطاع غزة في أعقاب معركة سيف القدس وتبعاتها، وحجم الدمار والتخريب الذي خلفه الاحتلال نتيجة هذه المعركة، وإن الناس لم تكد تستفيق من نتيجة ذاك العدوان، ثم تدخل في عدوان جديد، لذلك فكرت حماس بعدم الدخول المباشر في معركة "ثأر الأحرار" لعدة اعتبارات منها الحفاظ على حالة الاستقرار في الجبهة الداخلية، وتفويت الفرصة على الاحتلال في تدمير البنى التحتية وتوسيع بنك الأهداف، وإحلال الدمار والخراب وزيادة القتل والاستهداف للمدنيين الفلسطينيين، لذلك قالت حركة الجهاد الإسلامي بوضوح أنها تشكر غرفة العمليات المشتركة على قيادتها للمعركة، وفق الدور المنوط بكل فصيل وفق رؤيته وموقفه، وإن سرايا القدس لم تطلب من كتائب القسام الانخراط في المعركة، وإنها كانت قادرة على قيادة المعركة دون عون من أحد، لأنها تملك قدرات قتالية تعينها على الصمود في المعركة ليس لأيام فقط إنما لعدة أشهر، وإنها استعدت لمعركة طويلة مع الاحتلال، ومثَّل القسام جدار حماية للسرايا، وأديرت المعركة بالتنسيق والتوافق من داخل غرفة العمليات المشتركة، ووفق رؤية محكومة فصائليًا بميزان من ذهب.
حماس تقود المعركة وفق إستراتيجية ورؤية ناضجة تتوافق عليها فصائل المقاومة والأجنحة العسكرية التابعة لها، وبات واضحًا أنها عندما تُقدم على الدخول إلى أي مواجهة عسكرية مفتوحة مع الاحتلال الصهيوني، تدرس ذلك بعناية فائقة حجم التضحيات الكبيرة التي ستقدمها وسيقدمها الشعب الفلسطيني، لذلك هي تراكم من قوتها العسكرية، وتؤسس لمعركة التحرير، وتؤمن أن "إسرائيل" تعيش مرحلتها الأخيرة، وأنها على شفا الانهيار، شيء واحد قد يدفع حماس إلى الانخراط في معركة مفتوحة مع الاحتلال، هو تعرض المسجد الأقصى لمؤامرة التقسيم الزماني والمكاني، ومحاولة الاحتلال السيطرة عليه، فخطاب حماس السياسي تعلو وتيرته ويتصاعد وترتفع نبرته عندما يتهدد خطر التقسيم للمسجد الأقصى، أو يتغول عليه الاحتلال ويحاول تمرير مخططات السيطرة على الأقصى، فهذا الأمر قد يدفع حماس للتعجيل بتفجير معركة مع الاحتلال مهما كانت نتائجها، لذلك حذرت حركة حماس الاحتلال من إنفاذ مسيرة الأعلام، وارتكاب حماقات من قطعان المستوطنين المشاركين في المسيرة.
لذا علينا احترام رؤية حماس في إدارتها للمعركة، وتفويت الفرصة على أولئك المتربصين الذين يحاولون جاهدين وبكل طاقتهم، دق أسفين بين فصائل المقاومة الفلسطينية دون أن يعلموا ما يميز العلاقة بين حركة حماس والجهاد الإسلامي، فالنبع الذي يستقون منه منهاجهم واحد، والسبيل للوصول لتحقيق الأهداف واحد، والاجتهاد لا يفسد للود قضية، فالوحدة تتحقق من خلال البندقية وتتعاظم بدماء الشهداء.