مثَّلت معركة ثأر الأحرار نموذجًا، لإدارة المواجهة مع الاحتلال بأبعادها التكتيكية والإستراتيجية، وتلى ذلك التعامل مع مسيرة الأعلام بالرغم من الغدر في الأولى، والاستفزازات في الثانية، وهما امتداد لتعامل المقاومة في معركة سيف القدس بمايو 2021م، وما بينهما من تصعيدات في شهر رمضان، وفي أعقاب استشهاد الأسير خضر عدنان قبل أيام.
كلما حدث تصعيد من اعتداءات الاحتلال تثار قضية ردود المقاومة في غزة على اعتداءات الاحتلال التي لا تتوقف، وتطال الساحات كافة وبأشكال عدة، وصولًا لربطها ببعض المناسبات اليهودية والإسرائيلية مثل مسيرة الأعلام، أو الأعياد اليهودية، أو اقتحام الأقصى، أو ارتكاب مجازر في الضفة الغربية.
لعل ما يضع المقاومة في غزة في دائرة لفت الأنظار عند كل حدث، هو ما رسخته المقاومة في السنوات الأخيرة من قدرة على الرد على اعتداءات الاحتلال، إضافة إلى ما بنته من قوة متراكمة في السنوات الأخيرة، وتطورت تطورًا كبيرًا، بعيدًا عن التعامل بردّات فعل سريعة، وصولًا إلى القدرة على إدارة المواجهة وفق دراسة دقيقة لمجريات الأحداث، وما يدور في الخفاء عبر معلومات استخباراتية، من دوافع الاحتلال لعدوانه، وأصبح لدى المقاومة اعتبارات عسكرية وأمنية ووطنية في التعامل مع اعتداءات الاحتلال دون الإخلال بالمبادئ المتفق عليها، بعيدًا عن العنصر العاطفي الذي يدفع باتجاه الدخول في مواجهات قصيرة، تستنزف قدرات المقاومة، ومن يبادر فيها بالغالب هو الاحتلال، لإفشال أي مخططات تسعى المقاومة لتنفيذها.
بينما أرست المقاومة قاعدة الرد على اعتداءات الاحتلال التي تمس المقاومة مباشرة كما حدث في ثأر الأحرار، وتصدرت سرايا القدس الرد مسنودة من غرفة العمليات المشتركة التي تشترك فيها جميع فصائل المقاومة، وفي مقدمتها كتائب الشهيد عز الدين القسام، التي يضع الاحتلال اعتبارات خاصة لمشاركتها، لكونها القوة الأكبر عسكريًا، وتمثل حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، مما يعني اتساع قوة المشاركة للقطاعات كافة، وهذا ما يدفع الاحتلال باستمرار لاستهداف مقدرات القسام في الرد على صواريخ تطلق من غزة بين المدة والأخرى، والتفرد بسرايا القدس، عندما يتوافق ذلك مع توجه الاحتلال بدق الأسافين بين فصائل المقاومة.
لذلك مثل تشكيل غرفة العمليات المشتركة، عامل تطور إستراتيجي على إدارة المواجهة مع الاحتلال، ومثّلت معركة ثأر الأحرار، تطورًا مهمًا بدورها، والتعامل مع الردود على اقتحام المسجد الأقصى في شهر رمضان، كذلك الرد على اغتيال الشهيد خضر عدنان، على الرغم من اعتباره قياديًا في الجهاد الإسلامي، لذلك أصبحت الغرفة المشتركة هي من تقرر طريقة وشكل وساحة الرد على اعتداءات الإسرائيلية، وإفشال مخططات الاحتلال بالاستفراد بفصيل مقاوم دون الآخر.
العامل المهم في إدارة المواجهة يرتبط بتفعيل ساحات المواجهة، في الضفة الغربية والداخل المحتل ومن جنوب لبنان وسوريا كما حدث في شهر رمضان، والحرص على إبقاء ساحة المواجهة في الضفة الغربية، وتدخل غزة، ما لزم ذلك، سواء بالرد أو المبادرة، كما حدث في سيف القدس.
العاطفة الجماهيرية مترددة بين رد المقاومة على انتهاكات الاحتلال من غزة على أي اعتداء يحدث من الاحتلال، مع تجاهل الأعباء التي تترتب على اندلاع المواجهات، مما يعطي الاحتلال الفرصة للرد في غزة وتهدئة الساحات الأخرى، إضافة إلى الاستهداف الممنهج لقدرات المقاومة، وتكبيدها خسائر مضاعفة، إضافة إلى الرغبة الداخلية للجمهور بألا يكون الرد من غزة فقط، على الرغم من أن المقاومة دخلت في مواجهات في شهر واحد فقط منذ منتصف رمضان.
هناك ضرورة للمقاربة بين ردَّات الفعل العاطفية على اعتداءات الاحتلال، وبين إدارة المواجهة التي يقع على عاتق قيادة المقاومة، بما يُلجم اعتداءات الاحتلال، ويردعه عن القيام بها واستنزافه، دون الدخول بمواجهة، وبين مراكمة القوة، وتمتين الساحة الداخلية، وتعزيز مشروع المقاومة على المدى الأبعد.