نعيش اليوم الذكرى 75 لجريمة التهجير القسري لمئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني بفِعل التآمر الدولي للنظام الاستعماري الغَربي الذي بدأ على يد "بريطانيا العظمى" بمجازر دموية زادت على المئة يندى لها جبين الإنسانية، حين يُقتلع شعب من أرضه وزرع كيان عنصري كولنيالي يرتكب حتى الغد هذه المذابح، وحين تولت الولايات المتحدة الأمريكية منتصف الخمسينات من القرن الماضي دعم هذا العدوان الآسن.
ورغم كل تلك المحاولات المستمرة والمتصاعدة بكل أدوات الغدر، لم يفلح الأعداء على كسر إرادة هذا الشعب العظيم، الذي سيبقى متمسكًا بالنضال دفاعًا عن قضيته العادلة، قضية شعب يدفع كل التضحيات الجسام لدحر آخر احتلال مُزمن، ولعودة لاجئيه إلى ديارهم التي اقتلعوا منها، وإقامة دولته السيدة المستقلة على كل فلسطين من النهر إلى البحر ومن الناقورة إلى أم الرشراش.
حَقٌ ينسجم مع الحقيقة ومع القيم الإنسانية الدينية التي تُهدد ليس فقط مصالح وحقوق شعبنا الفلسطيني الصامد المرابط، وإنما أيضًا حقوق أمتنا العربية والإسلامية، كما يُهدد السلم والاستقرار الدوليين.
إن إزالة هذا الاحتلال، واستعادة ثوابت الشعب الفلسطيني، هي حقوق ثابتةُ وأبدية ولا تنتهي بالتقادم، وها هو شعبنا يَصُد عدوانًا بعد آخر، مدعومًا بكل الشرائع السماوية، والقوانين الدولية وبكل ما أنجزته الإنسانية بدءًا من اتفاقية لاهاي 1907م، واتفاقية جنيف 1929م، واتفاقية جنيف الرابعة 1949م، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، وما تلا ذلك من اتفاقات وملاحق حتى اليوم ممثلة بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي فاقت 750 قرارًا، وما صدر عن مجلس الأمن الدولي في ما يقارب 87 قرارًا.
إن كل ما تقدم يفرض ولزامًا، أن تقوم دول العالم ومؤسساتها بإدانة هذا الاحتلال الفاشي وجرائم الحرب التي يرتكبها ومحاكمة قادته أمام المحكمة الجنائية الدولية، لردع هذا الكيان الخارج على نواميس القانون الدولي، لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة لينتهي هذا الكابوس لمستعمرة مؤقتة وزائلة مرة وإلى الأبد.
إن من واجب الأمم المتحدة وهيئاتها، تقديم كل الدعم لنضال الشعب الفلسطيني المشروع من أجل كَنْس هذا الاحتلال ووقف عمليات الإعدام في الشوارع، والاغتيالات الغادرة الجبانة كما جرى منذ أيام معدودات، وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية، ووقف سياسات الاستيطان واعتداءات قطعان المستوطنين واجتياحات سوائب جنوده للقدس ولمدن وقرى ومخيمات الضفة الفلسطينية المحتلة في جنين ونابلس وطولكرم وطوباس وقلقيلية ورام الله وبيت لحم، ودون توقف.
وجاء استشهاد القائد الكبير خضر عدنان الصاعق المفجر لموجة العدوانات الصهيونية التي تَصُبُّ الزيت على النار بعملية الإغتيال بدم بارد لتلك الأيقونة الفلسطينية الخالدة، والذي قاد إلى تفجير الأوضاع، تلاها عمليات الإغتيالات في ليل لبعض قادة سرايا القدس وهم نائمون مع أطفالهم وبين عائلاتهم وسط بيوت الآمنين من المدنيين ليرتقي هؤلاء القادة شهداء ومعهم عديد الأطفال والنساء وكبار السن والذين أفادت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة بإستشهاد 33 مواطنًا فلسطينيًا، 30% منهم من النساء والأطفال، وإصابة 190 آخرين بجراح مختلفة خلال خمسة أيام من العدوان على القطاع.
من جهة أخرى، دمر الاحتلال 20 منزلًا بما مجموعه 56 وحدة سكنية هدمًا كليًا، وتضررت 940 وحدة سكنية أخرى، منها 49 أصبحت غير صالحة للسكنى، وقد قدرت الخسائر قرابة 8 ملايين دولار في حقول مختلفة.
وكان العدو قد شنَّ عدوانه على قطاع غزة فجر الثلاثاء قبل الماضي، قالت فيه "غرفة العمليات المشتركة " في غزة " إن (ثأر الأحرار)، صفحة جديدة من صفحات المجد، خاضتها المقاومة موحدَةً كالبنيان المرصوص (...)، وأن جولة من القتال والصمود إنتهت، ولكن مقاومتنا بدأت من جديد أكثر قوة وعنفوانًا".
وككل عدوان، طَبَّقت "غرفة العمليات المشتركة تكتيكاتها التي فاجأت بها الجيش النازي "بالقتال الصامت" " لــــ 35 ساعة كانت بطول دَهر، وقف فيها كيان الإحتلال على قدم واحدة، شُلّت فيه الحياة بطولها وعرضها، وهو يضرب أخماسًا بأسداس، لا يلوي على شيء، وهو يحاول سَبْر غور خُطط وتكتيكات المقاومة الصادمة، التي قامت بعد حين بإطلاق سَيّلٍ من رشقات الصواريخ باتجاهات مختلفة وقد اخترقت منظومة قبته الحديدية التي لم تتمكن من صَدّ سوى النزر اليسير منها وقد وصلت أهدافها، لتدمر وتقتل وتجرح، حتى وضع هذا العدوان الغادر والخائب أوزاره بعد خمسة أيام، بعد أن أبلت خلالها المقاومة الموحدة والمقتدرة بلاءً حسنًا وقد أنجزت أهدافها بإلزام العدو بشروطها، حين تدخلت الشقيقة مصر وقطر وممثل الأمم المتحدة تور وينسلاند وتم التوصل لوقف إطلاق النار تمام العاشرة ليلًا من يوم السبت الفائت.
لقد قدرت أوساط أمنية غربية وعربية وخبراء إستراتيجيون، أن العدو كان يُعِدّ فور عملية الاغتيال فجر 9 مايو لضرب مواقع للمقاومة وسط وَهْمٍ تَمَلًّكهُ، بأن فصائل المقاومة سترد مباشرة ودون تنسيق مُسبق ومخطط له، فيفاجئ جيش الاحتلال المقاومة بضربة قوية وقد استعدت مُسيّراته وطائراته الحربية وهي التي غَطّت سماء القطاع إلى جانب مرابض بطاريات المدفعية.
وحين ارتد السحر على الساحر وبدأت معركة الاستنزاف التي استعدت لها المقاومة جيدًا لِتَتسع مروحة الأهداف حتى شعاع 90 كيلو مترًا، وقد وصلت إلى (تل أبيب) ومناطق أخرى على اتساع منطقة "غوش دان" و"ريحوفوت" والرملة والقدس وبئر السبع، وكل المستوطنات المحاذية للقطاع التي هرب مستوطنوها بنسبة 70% على الأقل.
القبة الحديدية، تقف عاجزة مما دفع قيادة الجيش لزج "مقلاع داوود"، أو العصا السحرية وهو إعلان بإفلاس تلك القبة التي عملت (تل أبيب) وواشنطن على تطويرها، هذا المقلاع الذي صَنَّعته شركة "رافائيل" للصناعات العسكرية بالتعاون مع شركة "رايثون" الأمريكية، وَكُلفتهُ مليون دولار للمقذوف الواحد، وقد استخدمت لأول مرة الأربعاء قبل الماضي 10 أيار، وهو صاروخ باليستي مداه المؤثر ما بين 100-200 كم ويصل إلى 250 كم، ويستهدف الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون والمسيرات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
لقد حاول العدو شق الصف ففشل، وحاول الاستفراد بفرسان الجهاد الإسلامي فَصَفَعتهُ المقاومة وهي تقاتل على قلب رجل واحد على المستويين العسكري والسياسي بجهوزية عالية، عُدَّةً وعديدًا واستعدادًا قتاليًا بإرادة فولاذية لمعركة ممتدة.
حاول نتنياهو ترميم الصورة الردعية المتآكلة لجيشه فسقط في وهَدةٍ أعمق، وجرب جسر الهوة مع بن غِفير وسموتريتش للملمة ائتلافه الحكومي المتهاوي دون جدوى، ولم يكن حظه في لم الشمل مع وزير الجيش غالانت أفضل حالًا وقد سبق أن طرده من مهامه، أما تخفيف حدة غليان التجمع الاستيطاني في المعارضة التي باركت عدوانه، فقد طالبتهُ بالوقف الفوري حتى لا يسقط الكيان فيما لا يُحمد عقباه، وعادت لحصاره حتى الأُفول.
نتنياهو الذي هرب بعداونه إلى غزة ليقطع الحبل السُرّي بينها وبين ضفة الصمود، يواجه اليوم كل الوطن المحتل بمقاوميه وحاضنتهم الجماهيرية المتصاعدة.
و"غرفة العمليات المشتركة" في غزة تزداد وحدة وبأسًا تُساندها على الجبهة الشمالية "غرفة العمليات المشتركة" لمحور المقاومة، وسيشهد القادم من الأيام سقوط حكومة نتنياهو وانتخابات سادسة وسابعة، وَعَدٍ تنازلي لكيان آن له أن ينتهي بعد 75 عامًا من صمود ومقاومة شعب قرر الظفر.