من المقرر أن تنطلق مساء اليوم الخميس ما يسمى بـ"مسيرة الأعلام" التهويدية في القدس المحتلة، وسط دعوات فلسطينية للتصدي والمواجهة.
مسيرة سبقها قبل أيام تصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولات عربية ودولية للتهدئة وسط تحذيرات من تصعيد محتمل يجرّ كرة النار إلى عدوان جديد.
فما هي مسيرة الأعلام؟
بحسب مسار المسيرة، التي تعود بداية تنظيمها إلى عام 1968، أي بعد عام من نكسة حرب حزيران، واحتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة؛ ستشقُّ أزقة البلدة القديمة وصولًا إلى باحة حائط البراق، التي حوّلها الاحتلال إلى باحة للصلوات التوراتية الدينية، وأطلق عليها اسم الحائط الغربي، في إشارة حسب الادّعاءات اليهودية والصهيونية إلى الجدار الغربي لـ"الهيكل" المزعوم.
وبتنظيم المسيرة الاستفزازية اليوم الخميس يكون قد مرَّ 54 عامًا على أول مرة نُظّمت فيها، رغم أنّ بعض وسائل الإعلام تشير إلى أنّ بدايتها تعود إلى قبل ثلاثين عامًا.
والأب الأول للمسيرة هو الرابي تسفي يهودا كوك، الزعيم الروحي والتاريخي للصهيونية اليهودية، الذي يعتبر القائد الروحي حتى للحزب الوطني الديني "المفدال"، الذي ضمّ كل أجنحة وحركات التيار الديني الصهيوني، بينها "هبوعيل همزراحي"، أولى حركات التيار الديني الوطني، وأصبح لاحقًا يعرف بتيار الدينية الصهيونية.
اقرأ أيضًا: الاحتلال يستبق "مسيرة الأعلام" التهويدية بفرض الحصار على المقدسيين
وبدأت هذه المسيرة بمبادرة فردية انطلقت في عام 1968 كمسيرة "متواضعة" في ساعات المساء في الذكرى السنوية (وفق التقويم العبري) لاحتلال الشطر الشرقي من القدس.
واستمرت المسيرة "متواضعة" حتى عام 1974، إذ طُوّرت إلى طقس يُظهر حجم التأييد للتيار الديني الصهيوني، بقيادة الرابي كوك، الذي كان يعتبر أنّ إقامة "إسرائيل" هي مجرد محطة في طريق الخلاص النهائي لليهود مع نزول المسيح اليهودي المنتظر.
ومع الوقت تزايَدت قوة التيار الديني "الوطني"، الذي يُشار إليه اليوم بالتيار الديني الصهيوني؛ وسيطر على الحكومات المتعاقبة، سواء حزب "العمل" أو اليسار الإسرائيلي، وحتى سيطر على وزارة التربية والتعليم لسنوات طويلة.
وخلال تلك السنوات، ضمّ التيار الديني طلاب وتلاميذ جهاز التعليم الديني الصهيوني لهذه المسيرة، ونقلها من ساعات المساء إلى ساعات الليل. كما شجّع تلاميذ حركة الشبيبة الدينية للتيار الديني الصهيوني "بني عكيفا" للانضمام إلى المسيرة.
وفي هذه السنوات، أضاف التيار الديني طقوس الرقص والغناء المأخوذة أيضًا من تراث الحركة الحسيدية اليهودية، التي كان الرابي كوك تربّى على تعاليمها قبل أن يؤيدها تيار الحركة الصهيونية باعتبارها أداة للوصول إلى خلاص اليهود.
وعهد الرابي كوك، ثم مركز الراب في القدس الغربية، بالتعاون والدعم من وزارة التعليم الإسرائيلية، بترتيبات هذه المسيرة مع كل الطقوس التي أُضيفت لها لجمعية "عام كلافي"، والتي تعني "شعب كالأسد".
يُذكر أنّ جمعية "عام كلافي" أسّسها وأدارها لسنوات أحد أكبر عتاة الصهيونية الدينية الاستيطانية، وهو حاييم دروكمان، الذي انشقَّ في أواخر السبعينيات عن حزب "المفدال" الأصلي، على أثر اتفاق التسوية مع مصر، وأسس سوية مع غئولا كوهين والبروفيسور يوفال نئمان حزب هتحيا (وهو الحزب الذي ترعرع فيه الوزير السابق جدعون ساعر، وكان رئيسًا لحركة الشبيبة فيه).
وسعى الحزب الجديد، وبعد إطلاق حركة الاستيطان في ظل حكومات العمل منذ عام 1974، إلى تعجيل وتكثيف النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، وبدء عمليات الاستيطان في القدس المحتلة، وداخل أزقّتها وحاراتها العربية.
وعلى الرغم من تصوير هذه المسيرة على أنها مسيرة للمستوطنين، إلا أنها في الواقع لم تكن كذلك في بدايتها، خصوصًا أنها انطلقت قبل تأسيس أيّ مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة، وحتى داخل القدس نفسها، وكانت تحظى بنوع من اللامبالاة، وأحيانًا السخرية من قِبل التيار المركزي في السياسة الإسرائيلية.
وكان ذلك في أوج هيمنة حزب العمل الإسرائيلي، وكانت المسيرة كـ"ضريبة" تدفعها (إسرائيل) العلمانية آنذاك لجماعات التيار الديني الصهيوني، الذي كان لا يزال محدودًا وغير واسع، وكتعبير عن ليبرالية (إسرائيل) العلمانية مع المتدينين اليهود، بموازاة العرض والاحتفال الرسمي الذي كانت تُنظّمه الحكومات الإسرائيلية عادة بالمناسبات "القومية"، وأبرزها سنويًّا الاستعراض العسكري الذي كان يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي في القدس في ذكرى ما يسمى "تأسيس إسرائيل".
مع ذلك، حظيت المسيرة مع الوقت بدعم حكومي رسمي، سواء من وزارة التربية والتعليم سابقًا، ووزارة شؤون القدس والتراث اليهودي اليوم، إلى جانب رعاية بلدية الاحتلال في القدس لهذه المسيرة.
واستمدت "مسيرة الأعلام" وطقوس الرقص والابتهالات والغناء الديني الذي يرافقها "شرعيتها" الإسرائيلية أولًا من كون من أطلقها هو الرابي يتسحاك يهودا تسفي كوك، ثم من القانون الإسرائيلي الذي حدد "يوم القدس" باعتباره يوم الاحتفال بخضوع المدينة كلها تحت سيطرة الاحتلال في 3 يونيو/حزيران عام 1967، وما يسمى بـ"توحيد شطري القدس"، وفقًا للقانون الذي أقرته الكنيست في 12 مايو/ أيار عام 1986، واعتبار يوم احتلال القدس "عيدًا وطنيًّا".
قانون يوم القدس
وفي عام 1980، تحت ولاية مناحيم بيغن الأولى، أقرّت الحكومة الإسرائيلية قانون "القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل".
وأخيرًا، في مارس/ آذار عام 1998، أقرّت الحكومة والكنيست في (إسرائيل)، تحت قيادة رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، قانونًا رسميًّا حمل اسم قانون "يوم القدس" وحدد 28 من مايو/ أيار (بحسب التقويم الديني اليهودي) عيدًا قوميًّا، يسمح فيه لمستخدمي الدولة والموظفين أن يأخذوه إجازة رسمية.
وفي عام 2018، بلغت تكاليف تنظيم "مسيرة الأعلام" هذه حوالي مليون شيقل (1 شيقل يعادل 0.299 دولار أميركي)، بحسب مصادر إسرائيلية.