فلسطين أون لاين

تقرير ليان مدوخ.. مدللة أبيها وشريكة أختها الكبرى في كل التفاصيل

...
الطفلة ليان مدوخ
غزة/ هدى الدلو:

مع بداية التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة، رفعت الطفلة ليان مدوخ كفتيها الصغيرتين وهي ترتدي زي صلاتها تدعو الله أن يحفظ بلادها وشعبها رجاله ونسائه، كباره وصغاره من بطش يد الاحتلال الذي يتغول على حقهم في حياة آمنة، لتطالها تلك اليد وتفقدها حياتها.

والدها بلال مدوخ لم تجف دمعته منذ يوم استشهاد ابنته "ريحانة البيت، وفاكهته، آخر العنقود، منذ أسبوعين وهي تحتضنني وتقبلني وتطلب مني أن أدعو لها"، يصمت محاولًا التعالي على عبراته مكملًا: "كأنها كانت تشعر بأن شيئًا ينتظرها".

على الرغم من صغر عمرها الذي لم يتجاوز ثمانية أعوام إلا أن علاقته مع مدللته ليان كانت تتخطى علاقة أب بابنته، يقول لصحيفة "فلسطين": "كنت ألاعبها وأدللها، لا أحرمها من شيء. كانت أكبر من عمرها في تصرفاتها وكلامها، لدرجة أنها كانت ترافق شقيقتها التي تدرس الطب البشري".

كل من يرى ليان يحب مجالستها والحديث معها ومناغشتها، "رحيلها أطفأ النور في قلبي"، يضيف الأب متحسرًا.

الأمل بالنجاة

أما شقيقتها روان في عامها الجامعي الأول لدراسة الطب، والتي حاولت تطبيق ما درسته في الجامعة لمساق الإسعافات الأولية على شقيقتها المصابة ولكنها لم تفلح، تقول: "كنت أعلم أنه ليس باليد حيلة وأن أقدار الله غالبة، ولكني غرست ذرة أمل لإنقاذها رغم أن احتمالية النجاة صفر، سقطت دموعي حينها عاجزة عن فعل شيء ونسيت حينها أنها أختي ليان، وتفكيري ينصب في محاولاتي لإنقاذها".

تقول: "لا أعرف من أين أبدأ الحديث عن ليان، فرغم أنها صغيرة فإن الحروف لا تكفيها فهي دلوعة البيت، كانت تقول لي دائمًا صحيح أنا بصف ثاني ابتدائي لكن عقلي زي بنت بالصف العاشر... كانت شديدة الذكاء". 

أقاربها وزميلاتها في المدرسة وأبناء جيرانها الجميع يعرفها، وكل من يراها يتعلق بها، "امتلكت صوتًا جوهريًّا، تحب المشاركة في الإذاعة المدرسية خاصة في المناسبات الوطنية، تحب الحديث عن الوطن، وتنشد له بكل جوارحها"، تضيف روان.

حلمت ليان بأن تمضي على خطى شقيقتها الكبرى لتلتحق بمقاعد كلية الطلب، "تحب مرافقتي للمحاضرات، وتطلب مني أن أصحبها للمعامل"، مشيرة إلى أن حلم ليان بدراسة الطب تشكل لديها منذ وعيت على هذه الدنيا، وعايشت معاناة جدها الكفيف قبل وفاته.

ليان سؤال اليتم

وفي اليوم الأول من التصعيد شاهدت ليان فيديو لبنت الشهيد جمال خصوان وهي تبكي وتسأل عن والدها، فجلست تبكي بحرقة طفولة تلك الصغيرة التي حرمت من والدها، وأصبحت يتيمة الأم والأب، وسألت شقيقتها: "كيف سيصبح حالي ومصيري لو كلكم استشهدتم وبقيت عايشة، راح أتيتم؟ وأعيش بدار الأيتام؟ ما بدي".

تخنق الدموع روان وهي ترثي حالة أسرتها "خافت أن نستشهد، ولكنها رحلت وتركتنا كالأيتام من دونها نبحث عنها في كل تفاصيل حياتنا".

تعود روان إلى الصمت مرة أخرى ثم تتابع: "قبل استشهادها بسويعات حدثتها بأحاديث كثيرة، كنت أحب كلامها عن الأحلام، عندما ترى كتبي تحكي لي أنا وإياكِ دكاترة بدنا نفتح عيادة مع بعض... تحب ارتداء مريول الطبيب الأبيض، ودايمًا تقولي يا الله يا ريت بسرعة أدخل الجامعة".

رسالة مفترضة

على شبكات التواصل الاجتماعي، تداول النشطاء مقاطع فيديو عديدة للطفلة ليان، ورسالة مفترضة تحدث بها أمها، تقول فيها: "مرحبا ماما.. أحدثك من الجنة/ العالم الآخر، حيث لم يعد هناك ما يؤلمني عندما أمشط شعري الكيرلي، أتذكر الآن كيف كنت تردين على مَن يعلق على شعري بقولك: (إحنا شعرنا كيرلي من الله، أصلًا الناس بيروحوا كوافير ليعملوه كيرلي).

تضيف ليان في الرسالة التي ترجمت إلى اللغة الإنجليزية: "ماما.. ذهبت أنا ونسيت اصطحاب فستاني الذي جعلتكِ تقطعين السوق مرتين للعثور عليه، أرجوكِ ماما، لا تحزني كلما رأيتِه، أنا الآن أرتدي فستانًا أجمل منه، ماما.. أعرف أنك ستبكين كثيرًا كلما تأملتِ صورتي، كلما أعددت طعام الإفطار لإخوتي، كلما هرب صوتك منك ليناديني فلا أرد، كلما مررت بما تبقى من ذكرياتي في المكان.

لكنني أرسل رسالتي هذه إليك لأطمئنك، ربما لو بقيت حية لعشت كل المعاناة التي يعيشها أقراني، لكبرت دون أمل في الحياة، لتعلمت ولم أحظَ بفرصة عمل، لكتبت الشعر ولم أجد من يقرؤه، لعشت ألم فقدِ أيٍّ منكم بصاروخ غادر، لأرهقني العجز في بقعة صغيرة محاصرة منبوذة من الخارطة.

أما الآن.. فقد رحلت دون كل هذا التعب، ومن كان بجوار الله لا يتعب، فلا تحزني، أنتظرك ماما، عيشي ما شئتِ، فإن لنا يومًا نجتمع فيه هنا، سأجهز مراسم استقبالك من الآن، كوني بخير، واعتني بإخوتي جيدًا، أحبهم جميعًا، وأحب بابا جدًّا، وأحبك ماما.