فلسطين أون لاين

تقرير بقلب منكسر يبكي المسن طه "شقا عمره اللي راح"

...
المسن شحدة طه على ركام منزله
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

كومة من الحطام هو ما تبقى للمسن شحدة طه، بعد تعب وشقاء طوال عمره ليوفر منزلاً لأسرته وأبنائه وأحفاده من بعده، وما كاد الحلم يصبح حقيقة، حتى هوى فوق بعضه بعضًا في لحظةٍ لم يكن يتوقعها في أسوأ أحلامه، ويحيل البيت إلى كومةٍ من الركام.

ففي عصر اليوم الرابع للعدوان الإسرائيلي على غزة الذي بدأ  فجر التاسع من مايو/ أيار الجاري،قبل ان يعلن عن توقف اطلاق النار أمس باغت الاحتلال العائلة باتصالٍ يطلب منهم إخلاء المنزل الكائن في منطقة الفاخورة شمال قطاع غزة، والذي يضم العشرات من الأفراد. 

لم يكنْ أمام المسن طه الذي تجاوز العقد السابع من عمره وأبنائه فرصة لاستيعاب ما حصل، فخرجوا على عجالة وابتعدوا عن المنزل، لم يتجاوز الأمر ربع ساعةٍ حتى أغارت المقاتلات الحربية الإسرائيلية على المنزل المكون من عدة طوابق يتشارك فيه الإخوة حياتهم.

ثوانٍ فقط حتى تلاشت في الأجواء غمامة الغبار المشبعة برائحة البارود، وتتكشف للعائلة هول الكارثة التي نزلت على رؤوسهم، في حين كانت المقاتلة ذاتها تدمر منزلًا ثانيًا وثالثاً في مكان آخر.

وصل المسن طه بلحيته البيضاء كالثوب الذي يرتديه معتمرًا كوفية حمراء، صدم من هول ما رآه، كانت عيونه تبكي وتنطق بالحال الذي يخبر به قبل أن يردد لسانه: "يا وردي عليا.. كل حاجة راحت وين بدنا نقعد؟".

كانت الصدمة أكبر بكثير من مخيلة هذا الرجل المسن، الذي اعتقد للحظة أنه بمنأى عن استهداف الاحتلال كونه وأبناؤه مدنيين آمنين.

يجول المسن طه فوق أنقاض المنزل متكئاً على أكتاف أبنائه، في حين تضرب الأخرى قلبه المفطور على "شقا عمري اللي راح" وقد خنقته العبرات صوته وهو يتفقد منزلًا لم يبقَ منه إلا ما علق في ذاكرة شاخت.

"شو ذنبنا؟!"

على مقربةٍ منه، كانت حفيدته فاطمة تذرف الدمع بحرقة وهي تحاول جمع ما طالته يداه الصغيرتين من كتب ودفاتر مدرسية تشهد على تفوقها.

تقول فاطمة:" أول ما شفت هيك دارنا قلبي انكسر، إحنا إيش ساوينالهم، إحنا لسة أطفال".

وأكثر ما آلم قلب الطفلة البالغة من العمر (11 عاماً) أنهم لم يفرحوا بعد بمنزلهم الجديد، بعد أن كانت وأسرتها جميعاً المؤلفة من عشرة أفراد في غرفة واحدة قبل الانتقال للمنزل الجديد.

تضيف فاطمة: "شو ذنبي؟ وشو ذنب إخوتي وأبوي وأعمامي؟ وين كتبي؟ بعد أن كنتُ الأولى على صفي، ها هي كتبي ملقاة تحت ركام منزلنا، من أين سأحصل على كتبي؟ ومن أين سنحصل على حفاضات لأشقائي الرضع؟ ومن أين سنجلب الأموال لنعوض كل هذا الدمار؟".

أما الطفل مجاهد طه، فقد شوهد يبكي بحرقة على أنقاض منزله، غير مصدق ما تراه عيناه من دمارٍ عمّ المنطقة.

فدا الشهداء

أما أحد أبناء المسن طه، فقد ظهر في مقطع مصور تداوله النشطاء على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، يقول: إنهم لا يبكون على المنزل، وإنما يقدمونه رخيصاً فداء للشهداء والمقاومة.

ويضيف المواطن المكلوم إنه لا يهتم للمنزل الذي هُدم ولا أمواله التي ضاعت، وإنما للشهداء الذين راحوا، وتابع المواطن صرخته المؤلمة قائلًا: “بدنا الشهداء يرجعوا”، مؤكدًا أن كل ما ضاع فداء لهم.

تتعالى صرخات الشاب الفلسطيني، وهو يردد موجهًا سبابتيه نحو السماء “حسبي الله ونعم الوكيل"، بينما كان يتفقد بناية عائلته التي لم يتبقَ منها سوى حفرة عميقة كوادي سحيق.