فلسطين أون لاين

تقرير سرير ودراجة.. أحلام ادخرها يزن المصري في "حصالة"

...
يزن المصري أمام ركام منزله
غزة/ خاص فلسطين:

يحمل الطفل زين المصري حصالته الصغيرة التي انتشلها من بين ركام منزله المدمر في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وكان يدخر بها من مصروفه الشخصي، ليساعد والده كي يشتري له سرير نوم.

وفي مقطع مؤثر ظهر زين (6 سنوات) بعينين باكيتين وهو يتحدث بكلمات حزينة كيف أن "الزنانة"- الطائرة الإسرائيلية العسكرية المسيرة- أطلقت صاروخًا على المنزل، قبل أن تهاجمه طائرة حربية بصواريخ ثقيلة وتدمره كليًّا.

لم يفقد الطفل حلمه بسرير صغير فقط، بل فقد دراجته التي اشتراها من مصروفه بمعاونة والده. كانت الدراجة أول ما أخذ يبحث عنه بيديه الغضتين وكله أمل بأن تنجو من القصف.

بدا يزن متأثرًا وهو يجر دراجته متثاقلًا عابس الوجه بعد أن عاندت عجلاتها المسير. عندما سألناه عما سيفعله بها قال بلهجة طفولية: "لا شيء، راح اشتري واحدة جديدة من الحصالة".

من تحت الركام، انتشلت الجدة انتصار المصري "أم راني" صورة لحفيدها زين، تقول: "والده حلاق ودخله محدود، ولم يكن لديه سرير للنوم، وزين كان يدخر من مصروفه البسيط ليشتري سريرًا ينام عليه، بعد أن اشترى له دراجة".

وتضيف الجدة الستينية: البيت جنة الدنيا، ورغم التسليم بقضاء الله، فإنه شعور شديد الصعوبة أن تفقد تعب وشقاء 40 سنة في لحظة".

"الكرامة باقية"

في ليلتها الأولى التي قضتها خارج منزلها، لم يجد النوم طريقه إلى عين "أم راني" بعد أن حوّلت غارة إسرائيلية المنزل إلى كومة من الركام والحجارة المتناثرة.

وبصوت ممزوج بكثير من الصبر والإرادة، تمضي إلى القول: "داري ومالي فداء فلسطين وشبابها.. راح البيت لكن الكرامة باقية".

ومنذ اللحظة الأولى التي رأت فيها الجدة منزلها المكون من ثلاثة طوابق يتهاوى أمام ناظريها، لم يتوقف لسانها عن ترديد: "اللهم أجرنا في مصيبتنا.. اللهم عليك بـ(إسرائيل) وأعوانها.. اللهم سلّم شبابنا".

وعلى مدار الأيام الأربعة من العدوان الذي بدأه الاحتلال الإسرائيلي على غزة غدرا، فجر التاسع من مايو/ أيار الجاري، دمر الاحتلال ثمانية مباني كليًا بمجموع 28 وحدة سكنية، كما تضررت أكثر من 500 وحدة بشكل بليغ وجزئي و37 وحدة باتت غير صالحة للسكن، و495 تضررت بشكل جزئي وبليغ.

حدث غير متوقع

قضت "أم راني" ليلتها تدمير منزلها مستيقظة، تقول: "ما نمت ولو ثانية واحدة، هذا عدو مجرم لا يراعي حرمة المنازل الآمنة ومن فيها من أطفال ونساء، اللهم انتقم من الاحتلال وأذقه من ويلات ما يفعل بنا في غزة".

وفي تفاصيل الكارثة التي حلت بأسرة "أم راني"، كانت الساعة في طريقها إلى العاشرة ليل الخميس، عندما فوجئت بطرقات أحد الجيران، ينذرهم بضرورة إخلاء المنزل فورا، بناء على اتصال هاتفي ورده من ضابط عرّف عن نفسه أنه من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

لم يسعف الإنذار العائلة لتأخذ معها أي من الممتلكات أو الأوراق الثبوتية، كما يخبر زوجها محمد المصري، "صحينا الأطفال، كانوا مذهولين.. مش عارفين شو اللي بصير. خرجنا جميعا بالملابس التي تستر أجسادنا".

ويضيف أبو راني: "خرجنا حفاة، وبملابسنا التي نرتديها، وبعد نصف ساعة فقط انهمرت الصواريخ فوق المنزل وراكمت طبقاته بعضها فوق بعض".

ويبعد المنزل نحو ثلاثة كيلومترات عن السياج الأمني الفاصل شمال القطاع، وتقطنه 5 أسر مكونة من 19 فردًا، جلهم من النساء والأطفال.

من الإيواء إلى اللجوء

الآن تفرقت تلك الأسر بين منازل أقربائهم في البلدة، "في لمح البصر أصبحنا مشردين ومشتتين، توزعنا على عدة بيوت، ولجأت زوجات أبنائي الثلاث إلى ذويهن إلى حين انتهاء الأزمة وتدبر أمورنا من جديد"، يقول أبو راني.

وهذه ليست المرة الوحيدة التي تتعرض فيها عائلة المصري لأضرار جراء الحروب العدوانية الإسرائيلية، لكنها الأشد وقعا على الأسرة التي أصبحت بلا مأوى بعد دمار المنزل كليا.

تقول الحاجة أم راني: "كان بيتنا ملجأ للناس في الحروب السابقة، وفي الحرب الماضية (مايو/أيار 2021)، لجأ لنا 50 شخصًا من الأقرباء تركوا منازلهم في مناطق خطيرة من جراء قوة الغارات والانفجارات".

ما قدمته هذه الأسرة مع غيرها في حروب سابقة وجدته في مصيبتها الحالية، وبحسب أم راني فقد انهالت عليهم اتصالات كثيرة من أقرباء وأصدقاء يعرضون عليهم الاستضافة في منازلهم.