فلسطين أون لاين

الضفة الغربية ومعضلة الردع الإسرائيلية

 

أراد بنيامين نتنياهو باغتيال قادة حركة الجهاد الإسلامي (خليل البهتني وجهاد الغنام وطارق عز الدين) إنزال عضو الحكومة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير عن الشجرة بحسب زعم الصحفي في القناة الـ 12 الإسرائيلية عميت سيجال؛ فكانت النتيجة أن صعد نتنياهو وإلى جواره رئيس أركان جيش الاحتلال ورئيس الشاباك (جهاز الأمن الداخلي) على الشجرة ذاتها.

فرئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي ورئيس الشاباك رونين بار سعيا من الهجوم لاستعادة الردع وإعاقة الدعم المقدم للمقاومة في الضفة الغربية بحسب المراسل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت رون بن يشاي؛ لينتهي بهما الأمر على ذات الشجرة التي اعتلاها نتنياهو وبن غفير بترقب رد المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة "حماس" بعد أن وضعت الجميع أمام استحقاق أمني فتح الباب لإمكانية إطلاق مواجهة عسكرية تتجاوز حسابات بار وهليفي ونتنياهو زمانيا ومكانيا.

نتنياهو وقادة الأمن أمضوا الساعات الثلاثين التي تبعت عملية اغتيال قادة الجهاد الإسلامي بانتظار رد المقاومة والبحث عن وسطاء لرسم حدود الرد وأطرافه وجبهاته؛ ليتحول النصر المزعوم الذي ادعاه نتنياهو إلى هزيمة نفسية ومعنوية تجسد بردود الفعل المحدودة التأثير في ضربات المقاومة الصاروخية التي تجاوزت الـ 300 صاروخ في أقل من ساعتين متجاوزة ما أطلقته المقاومة ردا على استشهاد القيادي والأسير الإداري المضرب عن الطعام في حركة الجهاد الاسلامي خضر عدنان ومن قبله القيادي تيسير الجعبري في عام 2022.

ابتلاع نتنياهو وجيش الاحتلال للضربة الصاروخية الكبيرة جاء بعد حرب نفسية عالجت غروره على مدار أكثر من 32 ساعة من الانتظار للضربة الصاروخية؛ فعززت انعدام ثقة الاحتلال بقدرته على التحكم بمسار المواجهة وتداعياتها ومداها الزمني والمكاني وجبهاتها التي ما زالت غامضة ومفتوحة في آفاقها واحتمالاتها؛ فخيار فتح جبهات جديدة من لبنان وسوريا وانخراط حركة "حماس" ممثلة بكتائب القسام قدم رادعا للاحتلال عن التمادي في عمليات القصف والاستهداف للمدنيين في قطاع غزة؛ في حين تحول الكيان إلى ساحة مستباحة للمقاومة تضرب حيث تشاء تحت عنوان الثأر لقادة الجهاد الإسلامي.

نتنياهو في اجتماعه الاستشاري مع رئيس الأركان هرتسي هليفي ووزير الأمن يؤاف غالانت إلى جانب تساحي هنجبي مستشار الأمن القومي أكد استعداد الكيان لسيناريوهات أسوأ مما هو قائم بعد الضربة الأولى للمقاومة في محاولة للتهوين من أثرها الذي طال (تل أبيب) ووسط الكيان الصهيوني بتفعيل منظومات الدفاع والإنذار في مستوطنة شيمش بالقرب من القدس.

مخاوف نتنياهو وقادة جيش الاحتلال من إمكانية فقدان السيطرة العسكرية والسياسة أفقدته زمام المبادرة وأعادته إلى ذات المربع الذي أراد الخروج منه قبيل استهداف قادة الجهاد الإسلامي الثلاثة بفقدانه الردع والمبادرة والقدرة على الانتقام الذي فقد معناه بعد موجة القصف الكبير تحت عنوان (الثأر للأحرار)؛ كما أن الاحتلال لم يحقق أيا من أهدافه الاستراتيجية والسياسية وعلى رأسها وقف العمليات في الضفة الغربية بعد تحقيق إصابة حرجة لمجندة إسرائيلية في طوباس يوم الأربعاء خلال مواجهة مسلحة مع المقاومة واستهداف آلية للاحتلال في نابلس بعبوة جانبية شديدة الانفجار أسفرت عن إصابات في جنوده في اليوم الذي سبقه.

ختاما، معادلة ردع رسمتها حركة "حماس" وغرفة العمليات المشتركة بخيوط دقيقة ولكنها متينة يمتد أثرها للضفة الغربية؛ فالضربات الصاروخية الكثيفة والدقيقة وبعيدة المدى ما كان لها أن تكون لولا انخراط حركة "حماس" في المواجهة عبر غرفة العمليات المشتركة وهو سُم تجرعه نتنياهو على أمل أن يساعده ذلك في النزول عن الشجرة التي اعتلاها مع "بن غفير" وقادة الأمن دون التورط في مواجهة واسعة تعقد حسابات الكيان الاستراتيجية أولا وتهدد استقرار حكومته وطموحات قادته الأمنيين ثانيا.

 

المصدر / عربي21