بتسلسل تدريجي وزمني حتى يتهيأ، أسلوب اتبعته الأم يسرى العكلوك مع نجلها جمال الزبدة لتخبره باستشهاد صديقه علي عز الدين خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
تقول: "في البداية درجت له خبر رحيل أبيه، إلى أن تمكنت من إخباره، فكان أول ما قاله بعد بكاء وصمت، كويس إنو ما ضل عايش من غير أب! فقد خشي على صاحبه أن يتجرّع مرارة كأسه!!".
عاجلته الأم بسؤال: يموت أحسن من أن يعيش من غير أب؟! فردّ: يستشهد مش يموت، آه أحسن بيضلوا التنين مع بعض عايشين بالجنة! وأسئلة كثيرة لا حصر لها.."
وتضيف لصحيفة "فلسطين": "منذ استشهاد أسامة، بدأت تتشكل لدى جمال معاني ومفاهيم للفقد والبعد، ورغم أن ذلك لم يخفف من وطأة استقباله خبر استشهاد صديقه لكن جعله إلى حد ما يتقبل الخبر".
وتلفت العكلوك إلى أنها لم تتمكن من تقييم حالة طفلها النفسية، فيمر عليه وقت يبكي وآخر يلعب ويلون كلما طلبت منه ذلك، كما أن الجو لا يزال متوترًا في القطاع بفعل استمرار العدوان لليوم الثالث على التوالي، "فالحياة لم تعد طبيعية ولم يعد جمال إلى المدرسة ليعرف كيف سيتعامل في ظل غياب صديقه المقرب".
وتوضح أنها لا تزال تبذل جهودًا معه لاستيعاب فكرة تقبُّل القضاء والقدر، رغم مخاوفها من أن تتشكل لديه شخصية كتومة في إثر حادث استشهاد والده ومن ثم صديقه.
تأثير الفقد
وإذ يؤكد الاختصاصي النفسي د. إبراهيم التوم، أن موت الإنسان حقيقة وسنة من سنن الحياة تظهر آثارها على أقرباء المتوفى الكبار "فما بالنا بالصغار"، معربًا عن أسفه لأن القليل من يحاول مساعدة الطفل على التعامل والتعايش مع هذه الحالة، "فالكبار لا يعترفون في غالب الأحيان بحاجات الطفل العاطفية، ولا يسمحون للطفل بأن يحزن بطريقته الخاصة على من فقده من أقربائه بالوفاة".
ويشير إلى أن تأثير الفقد يعتمــد على عدة عوامل منها: مدى قرب الشخص المتوفى للطفل والعائلة وكيف كان دوره في العائلة، وهل كانت الوفاة متوقعة أم مفاجئة، وعمر الطفل، ومدى إدراكه، وكيف ستؤثر الوفاة على حياته، وتأثير قوة صدمة الوفاة "فكلما كان وقعها أقوى كلما كان تكيُّف الطفل صعبًا، وعما إذا كان يتوفر الدعم والمساندة العاطفية للطفل داخل العائلة".
ويقول التوم: "لذلك من المهم اختيار الوقت المناسب لإخبار الطفل بهذا الحدث والتمهيد له، والأهم ألا يشعر بأن له ذنبًا في هذا الحدث حتى لا نسبب له مشاكل نفسية لا يحمد عقباها".
وقد يراود البعض عن العمر المناسب لإخبار الطفل بوفاة أحد والديه هو بعد ثلاث سنوات، وفي حالة فقد الطفل لأحد والديه يجب أن يكون في أقرب حضن يرتاح إليه (عمته، أو خالته، أو جدته، أو أخته) أو الشخص القريب جدًّا من الطفل.
ويحذر التوم من إخفاء أو تأخير خبر الوفاة عن الطفل، وضرورة إخباره في أقرب فرصة مناسبة، وإذا كان عمر الطفل أقل من 7 سنوات يجب أن الإجابات صحيحة وسهلة ومختصرة وغير معقدة، وتجنب الكذب عليه، مبينًا أن فقدان أحد الأبوين أو كليهما يعرض الطفل لصدمة نفسية تمر بعدة مراحل تستدعي مساعدته على اجتيازها لكي لا يتعرض لحالة اكتئاب.
ويذكر بعض الأخطاء التي يقع فيها البعض عند إخبار الطفل بوفاة شخص عزيز عليه بأن الميت هو شخص نائم إذ قد يسبب ذلك خوفًا للطفل من النوم، ويعتقد أنه سينام ولن يجلس بعدها، أو أن الميت في السماء فمن الممكن أن يتخيّل الميت يسقط منها عند نزول المطر، كما أن الإفراط في الشرح قد يخيف الطفل ويؤدّي به إلى عالم من الكوابيس، ويجب عدم إخبار الطفل بأن المتوفى سافر ولن يعود أبدًا".
تحكم العقل
ويضيف التوم: "يجب على الشخص الذي يخبر الطفل بحدث الفقد أن يتحدث معه بحكمة وعقلانية وبشكل علمي، وإذا سيطرت العواطف على العقلانية والحكمة سوف ينهار المتحدث مع الطفل"، منبهًا إلى ضرورة عدم السماح لطفل تحت عمر 6 سنوات حضور مراسم الدفن لكونه غير قادر على فهم ما يحدث.
وينصح لمساعدة الطفل على التقبل والتأقلم والتعايش مع فاجعة الموت أو الاستشهاد، بتزويده بمفاهيم ومعلومات تناسب المرحلة العمرية ومستواه العقلية وإدراكه العام، وإعطائه مساحة للتعبير عن مشاعره وانفعالاته، وتشجيع الطفل على التحدث والحوار والسؤال عما يدور في مخيلته، وتعليمه وتعريفه على دورة الحياة في الطبيعة عن حياة الحشرات، الزهور، والطيور، وأن لكل كائن حي دورة حياة، وربط ذلك بحياة الإنسان.
ويتابع الاختصاصي النفسي حديثه: "كما يمكن رفع وعي الطفل وتذكيره بالأوقات الجميلة والممتعة التي قضاها مع الشخص المتوفى/ الشهيد لكي يشعر بالطمأنينة والراحة، وما أعده الله للشهداء من امتيازات تفضلهم على الناس، وتعليمه وتدريبه على الدعاء وفعل أعمال ومواقف وصدقات تعود بالنفع والخير على المتوفي".