فلسطين أون لاين

تقرير جمال خصوان.. طبيب الفقراء الذي ارتقى شهيدًا

...
الشهيد د. جمال خصوان
غزة/ نور الدين صالح:

بهدوء انسحب أفراد عائلة الطبيب جمال خصوان إلى فراش نومهم غفت عيونهم بسلام كما كلّ يوم، لا يعلمون أنّ هناك عدوًّا إسرائيليًّا يتربّص بهم.

مضى الوقت سريعًا، عقارب الساعة تجاوزت الثانية فجرًا، إذ بطائرات حربية إسرائيلية تحوم في سماء مدينة غزة، ثم توقّفت قليلًا، فألقت ما في جُعبتها من الصواريخ الإجرامية صوب شقة "خصوان" الواقعة في إحدى البنايات السكنية وسط مدينة غزة.

حالة من الذعر عمّت البناية السكنية التي تحمل اسم "الدولي 1" وسط مدينة غزة، بعض الحجارة سقطت فوق أجساد طبيب الأسنان جمال وزوجته "أم يوسف" ونجله البكر يوسف وهو في السنة الرابعة بقسم طب الأسنان في جامعة الأزهر بغزة.

بين القصف ووصول سيارات الإسعاف دقائق قليلة، إذ انتُشلت الجثامين من بين أكوام ركام المنزل الذي بدا المشهد فيه قاتمًا وملامحه أصبحت غير واضحة.

سارع أقارب العائلة إلى منزل خصوان، كان من بينهم "محمد بنات"، شقيق الشهيدة "أم يوسف" زوجة الطبيب خصوان، الذي يقول لصحيفة "فلسطين": إنّ الطبيب جمال استُشهد على الفور بعد حدوث نزيف داخلي حاد في جسده بفعل قوّة الضربة، في حين أُصيب نجله يوسف بشظية في رأسه ارتقى في إثرها شهيدًا".

ويُضيف أنّ شقيقته "أم يوسف" وصلت إلى مجمع الشفاء الطبي وهي على قيد الحياة، إذ بدأ الأطباء يقدمون لها الإسعافات الأولية ووحدات الدم، لكنّ روحها صعدت إلى بارئها في تلك اللحظات لتلتحق بزوجها ونجلها.

أما الطفلة التي لم يتجاوز عمرها الأربع سنوات، فكانت تنادي وهي بداخل سيارة الإسعاف "بدي بابا"، والدموع تنهمر على وجنتيها، لكنّ صرخاتها لم تلقَ من يسمعها، سوى ضابط الإسعاف الذي أخذ يُهدّئ من روعها.

"ما تخافي يا عمو.. هيّو جاي بابا" كلمات ضابط الإسعاف للطفلة التي لم يحتمل عُمرها حجم الجريمة البشعة التي ارتكبها الاحتلال بحقّ عائلتها، ليسلب منها براءة الطفولة ويجعل ذاكرتها مليئة بمعالم بطش قوات احتلال إسرائيلي حاقدة داست كلّ قوانين حماية الأطفال تحت أقدامها.

اقرأ أيضًا: بالفيديو "بدي بابا" .. مقطع مؤثر لطفلة تبحث عن والدها الشهيد

كـ "الصاعقة" وقع نبأ استشهاد الطبيب جمال وزوجته ونجله على أذهان وقلوب عائلته وأنسبائه من عائلة "بنات"، فيقول شقيق زوجة الشهيد خصوان "صدمة كبيرة كان خبر استشهاد أُختي وزوجها، ما كنا نتوقع".

يصمت "بنات" قليلًا ويعود بشريط ذاكرته للحديث عن مناقب شقيقته "أُختي كثير محبوبة وحنونة وبتكرم الضيف، وآخر مرّة شُفتها يوم عيد الفطر المبارك ودار بيننا أحاديث ومزاحًا كثيرًا(...) الله يرحمها".

أما عن زوج شقيقته فيقول: "الدكتور جمال كريم كتير ويداوي كثيرًا من المرضى داخل عيادته دون مقابل، ولا يتوانى عن تقديم المساعدة للناس وصلة أرحامه".

والطبيب "خصوان" يحمل الجنسية الروسية ولديه أربعة من الأبناء وحاصل على شهادة في طب الأسنان، وتولّى رئاسة نقابة أطباء الأسنان في غزة سابقًا، ويرأس مجلس إدارة مستشفى الوفاء للتأهيل بغزة، ويحظى بُسمعة طيبة بين كلّ من عرفه.

أما صديقه المُقرب طلال الخزندار، فلم يتمالك نفسه من هول المشهد وفظاعة الفاجعة بالنسبة له قائلًا، "أنا مش مصدق إنه الطبيب جمال استشهد".

ويسرد الخزندار الذي يرافق خصوان منذ حوالي 30 عامًا لـ"فلسطين"، أنه كان مقررًا أن يجتمع مع صديقه "خصوان" في اليوم الذي سبق استشهاده، لكنّ الأخير اعتذر بسبب شعوره بالإرهاق والتعب عقب عودته من عمله.

لم يعتد الطبيب "جمال" أن يتغيّب عن أيّ موعد كما يروي "الخزندار" لكنّ شدة الإرهاق أجبرته على الاعتذار، "كان خجولًا جدًا وبالكاد يظهر صوته وهو يعتذر".

"صديقي جمال ذو شخصية رائعة واجتماعية ومحبوب من الجميع بشكل غير عادي، ويُحبُّ عمله حيث يُواصل الليل بالنهار في خدمة المرضى، ولا يأخذ مقابلًا من غالبية رواد عيادته الخاصة"، يسرد الخزندار مناقب الطبيب خصوان.

وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات وتغريدات تتحدث عن صفات وأخلاق الطبيب "خصوان" في تعامله مع عامة الناس والمرضى، ولا سيّما الفقراء منهم.