فلسطين أون لاين

لحياتهم من اسم القرية نصيب.. أهل المالح يخشون فقد المأوى

...
قرية المالح
طوباس/ غزة–فاطمة الزهراء العويني:

كل يومٍ تشرق الشمس فيه على قرية "المالح" يخشى المواطنون مباغتة آليات الاحتلال وتسوية منازلهم بالأرض، التي هي مجرد خيام ومزارع للمواشي من ألواح الصفيح.

وعاش الأهالي في رمضان الفائت أجواء مشحونة بالخوف والترقب حالت دون التفكير في خلق طقوس مميزة لشهر رمضان تُسعد أبناءهم، كما يقول مهدي دراغمة، "فجلُّ همنا كان ألا يُهدم المنزل ونصبح في العراء، مع ازدياد الخطورة التي يمثلها المستوطنون على القرية وأهلها، وممارساتهم العنصرية التي لا تنتهي".

أمر شاق

ويوضح أنّ آليات الاحتلال لا تفارق المكان، وكذلك مستوطنو "شبيبة التلال" الذين يحيطون بالقرية من كل جانب، "ينتهكون حرماتنا ليلًا ونهارًا، وكلهم مسلحون وأيديهم على الزناد".

وأصبحت الخشية على الحياة هي "الشغل الشاغل" لأهل القرية الواقعة شمال شرقي مدينة طوباس، مشيرًا إلى تزايد اعتداءات المستوطنين يومًا بعد يوم، يتجولون ليلًا ونهارًا في المنطقة، ولا يوجد لديهم أيّ رادع لقتل أيّ مواطن فلسطيني، فهم يدركون أنّ دولة الاحتلال لن تحاسبهم، بل على العكس فهي توفر لهم الحماية عبر الجيش.

فالظروف الاستثنائية التي يعيشها أهل القرية تجعل حياتهم مختلفة عن أيّ قرية أخرى، "فقد حوصرنا في مصدر رزقنا، صادروا أغلبية المراعي ومصادر المياه، أصبح توفير الطعام لمواشينا التي هي موردنا الاقتصادي الأساسي أمرًا بالغ الصعوبة".

وتوفير الماء للشرب يحمل المشقة نفسها، كما يحكي دراغمة، ففي الأعوام السابقة كان الأهالي يحلمون بشربة ماء ٍباردة، حتى أنّ بعضهم يذهب لبلدات مجاورة لجلب مياه مثلجة، "فلا يوجد لدينا كهرباء هنا، وكل ما نملكه هو خلايا شمسية نستخدمها للإنارة وللأشياء الضرورية فقط".

والتنقل والتسوق وتلبية احتياجات البيت والأطفال أمر شاق على أهالي "المالح" في ظل انعدام البنية التحتية والخدمات في المنطقة، فالخيام هناك لا تقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف الذي ينتظرهم على الأبواب بأجوائه القاسية داخل الخيام وتحت ألواح الصفيح.

ويضيف: "نفتقد هنا الكهرباء والماء لذلك فإننا نعيش حياة قاهرة ليس لها مثيل في هذا العالم في حين ينعم المستوطنون من حولنا بأقصى درجات الرفاهية".

حياة غير آمنة

ولا يختلف الحال كثيراً لدى المواطن عبد الرحيم دراغمة الذي يعاني الأمرين في الحياة في القرية هو وأسرته لكنه يرفض بأي حالٍ من الأحوال ترك أرضه التي ترعرع فيها، إذ يقول إن الحياة في قرية المالح لها من الاسم نصيب رغم ما يتوافر في المنطقة من شواهد أثرية يمكن أن تجعلها نابضة بالحياة، حيث يقع إلى الشرق منها "وادي المالح".

والمنطقة جزء من الأغوار الشمالية تمتد حتى نهر الأردن، ويوجد فيها سبع مستوطنات وثلاثة معسكرات تدريب لجيش الاحتلال. ويضم الوادي فندقًا وطاحونة حبوب قديمين، أقام فيها جيش الاحتلال عام 1968 أول معسكر للجيش، حيث يغلق 38% من أراضيها لغايات التدريبات العسكرية بالخنادق والسواتر الترابية.

ويصف عبد الرحيم الحياة في القرية أنها غير آمنة البتة، "ففي أي لحظة قد نفقد بيوتنا، ونصبح في العراء، ولا يمكننا البناء والعيش في بيوت إسمنتية، يمكننا أن نعيش فيها حياة اعتيادية كغيرنا من البشر".

ويشعر الرجل الأربعيني بالحزن على أطفال القرية المحرومين من عيش أجواء اجتماعية هادئة تمكنهم من النزول إلى الأراضي والمراعي من حولهم للعب والتنقل بين بيوت بعضهم البعض، "فلا يمكن أن نترك أبناءنا يخرجون مع اقتراب أذان المغرب خشية أن يتعرض لهم المستوطنون أو يطلقوا النار عليهم".

ويتابع: "نحلم أن نعد لأبنائنا ما لذَّ وطاب من أصناف الطعام، لكننا نوفر ماء الشرب هنا ببالغ المشقة ومن أماكن بعيدة، كما أن كهرباء الخلايا الشمسية وضيق الوضع المادي لا يسعفاننا لملء الثلاجات بالطعام، فنحن نخشى أن يتلف".

وينسحب الأمر على الزيارات الاجتماعية التي يقوم بها أهل القرية في الصباح، "فلا يتاح لنا أن ندعو بعضنا البعض أو أقاربنا من خارج القرية لسهرات سمر، فنحن نخشى أن نعود في وقت متأخر لبيوتنا، فنتعرض للقتل أو الإصابة، كما أن أقاربنا يخشون زيارتنا في القرية في الأيام العادية فما بالك في المساء؟".

ناهيك باقتحامات الاحتلال للبيوت وتدنيس حرمتها، وإلقاء الأطفال والنساء في العراء، بزعم التفتيش، "فالتفتيش يحدث هنا كثيراً، فيُصاب الأطفال بالهلع والفزع دون أن يتورع الجنود عن ممارسته رغم علمهم أننا لا نملك ما يقلقهم أو يهدد وجودهم، لكنهم يعشقون التنغيص علينا".