ما نشره الإعلام العبري قبل أيام قليلة بشأن تسريبات من تقرير أمني أعده جهاز الأمن الصهيوني "الشاباك" بشأن نجاح منظومة حماس الإعلامية في استنهاض الشارع الفلسطيني بالضفة المحتلة، وتحشيد الرأي العام الفلسطيني خلف خيار المقاومة هو غيض من فيض لما تقوم به المقاومة الفلسطينية من جهود في مختلف الميادين لمواجهة كيان الاحتلال.
لطالما كان الميدان الإعلامي هو الساحة الأهم في دحض الرواية الصهيونية للصراع، ومواجهة الحرب الدعائية التي يشنها الاحتلال ضد الفلسطينيين، وكشف الأكاذيب المضللة التي يروجها، ويهدف بها بث الإحباط في الشارع الفلسطيني، وتضخيم الهالة الإعلامية التي تحيط بجيش الاحتلال وأجهزته الأمنية المختلفة.
وقبل الخوض في تفاصيل المعركة الإعلامية القائمة يجدر بنا تذكير القراء الكرام بأن المشروع الصهيوني قد نشأ على الأكاذيب والروايات الإعلامية المخادعة التي روجها الصهاينة الأوائل بين يهود العالم ودفعوهم بالترغيب تارة، والترهيب تارة أخرى للهجرة إلى الأرض الفلسطينية بزعم أنها أرض الآباء والأجداد، ثم روجوا أكاذيب أخرى أمام الشعوب الأوروبية بأن فلسطين أرض بلا شعب على الرغم من أن شعبها متجذر فيها منذ آلاف السنين، ثم كذبوا مرة ثالثة حين قالوا أنهم حولوا أرض فلسطين القاحلة إلى جنة مزهرة، والغريب أن بعض سياسيي أوروبا صدَّقوا لجهلهم روايات الاحتلال الإعلامية المخادعة، حيث زعمت رئيسة المفوضية الأوروبية قبل أسابيع قليلة بأن "إسرائيل حولت الصحراء إلى جنة".
ربما ما يثيرنا في تقرير "الشاباك" الصهيوني ومخاوفه الواضحة من منظومة حماس الإعلامية هو نجاحها وتبديد أكاذيب الاحتلال بأنه جيشه هو الأقوى في المنطقة، وأنه "جيش لا يُقهر"، إذ نجح منظومة حماس – بحسب تقرير الشاباك "في دفع المئات من الشباب الفلسطيني إلى تنفيذ عمليات فدائية أوجعت الاحتلال، وأربكت منظومته الأمنية، وبددت أراجيفه المخادعة بأن جيشه لا يُقهر، فإذا بشباب فلسطيني ثائر يوجه ضربات متتالية لهذا الجيش الذي تشير العديد من المؤشرات إلى أنه بات يعاني انخفاض حافزية جنوده للقتال في مواجهة شعب قرر أن يواجه الاحتلال.
وبالرغم من أن هواجس الاحتلال من نجاح المنظومة الإعلامية التابعة للمقاومة الفلسطينية دفعته لملاحقة جميع وسائل الإعلام المحسوبة على تيار المقاومة في الضفة والقدس، إلا أن منظومة حماس نجحت وبجدارة في مواجهة رواية الاحتلال، فمن ينظر –على سبيل المثال- إلى قناة الأقصى الفضائية التي تبث من محافظات غزة يجد أن شاشتها الإعلامية مُسخرة على مدار الساعة لتغطية الأحداث الميدانية في الضفة والقدس، وأن تأثيرها في ساعات المواجهة العسكرية المتكررة بين المقاومة والاحتلال قد يتجاوز تأثير الرشقات الصاروخية التي تدك بها المقاومة كيان الاحتلال في كل مواجهة ميدانية.
الهواجس الصهيونية دفعت الاحتلال إلى ارتكاب العديد من الجرائم التي استهدفت منظومة حماس الإعلامية، بدءًا من قصف المقر الرئيس لفضائية الأقصى في غزة عدة مرات، وارتكاب جرائم اغتيال متعمدة ضد عدد من الإعلاميين المحسوبين على منظومة المقاومة، وملاحقة المحتوى الإعلامي المقاوِم في الفضاء الأزرق ومواقع التواصل على مدار الساعة، وتسخير بعض الأقلام والألسن المأجورة التي ارتضت أن تكون بوقًا زائفًا لأراجيف الاحتلال، إلا أن جميع تلك الأدوات الخبيثة فشلت في إسكات الصوت الفلسطيني المقاوِم، وبات الشارع الفلسطيني في الضفة والقدس يتأثر بما تبثه منظومة حماس التي تعمل كالماكينة على مدار الساعة– بحسب تقرير الشاباك.
ربما يأتي تقرير الشاباك الصهيوني في إطار التهرب من مسؤولية الفشل في القضاء على ظاهرة انتشار المجموعات الفدائية في مدن الضفة ومخيماتها، أو الحد من العمليات الفدائية التي آلمت الاحتلال مؤخرًا، وقد يكون هذا التحريض الصهيوني ضمن خطوات التهيئة المسبقة، والترويج لاستهداف كوادر حماس الإعلامية في غزة، لكن المؤكد أن الاحتلال يتوارى خلف هزيمته المعنوية، ويتجاهل جرائمه البشعة التي تؤجج مسببات الثورة المشتعلة في الضفة والقدس، فانتهاكات الاحتلال للقانون الدولي، وعدوانه الأثيم على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وجرائم القتل التي يرتكبها بحق الأسرى في السجون وأبناء شعبنا الأعزل في الضفة والقدس تحدث أمام مرأى العالم وبصره، وكأن الاحتلال يهدف إلى قمع الإعلام الفلسطيني، وإرهاب وسائل الإعلام الفلسطينية لمنعها من تغطية الأحداث، ونقل الوقائع، وكشف الحقائق، وإيصال الصوت الفلسطيني المُستضعَف إلى العالم أجمع، وكشف زيف الرواية الصهيونية للصراع في الميادين كافة.
لكن ما يجهله الاحتلال هو إيمان الكوادر العاملة في منظومة المقاومة برسالتها الإعلامية، ودورها المهم في نصرة قضيتها العادلة، فغالبية إعلاميي المقاومة، وأنصارها عبر شبكات التواصل الاجتماعي إنما تدفعهم غريزة عشق الحرية، وبذل الجهد والنفس والوقت فداءً للقدس والمقدسات، وهذه العقيدة الصادقة تسري في دمائهم وتغذي رغبتهم الجامحة في مواجهة أكاذيب الاحتلال، وهي رغبة نابعة من القلب، وتمثل رافعة حقيقية لمنظومة الإعلام الفلسطيني المقاوم.
ختامًا فإن نجاحات منظومة حماس الإعلامية في مواجهة الرواية الصهيونية، وقدرتها على تحشيد الشارع الفلسطيني خلف خيار المقاومة هي إنجاز يستحق الشكر والإشادة، وفخر للشعب الفلسطيني وقواه الوطنية الحية، وهي في أوقات المواجهة ذخر إستراتيجي وصوت عالٍ لأهلنا في الضفة والقدس والداخل الفلسطيني المحتل.