فلسطين أون لاين

يمارسه الأهل دون وعي

تقرير التربية بالخوف أسلوب تربوي يورث الأطفال اضطرابًا نفسيًّا واجتماعيًّا

...
التربية بالخوف
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

تشعر "نعمة أحمد" بالندم على لجوئها لتخويف ابنها الأصغر ذي السبع سنوات من الأشباح و"الغول" في سبيل دفعه للنوم بموعده، ولتلبية أوامرها التي يقابلها غالبًا بالرفض والعناد، كانت البدايات هادئة بالنسبة لها، إذ ينفذ كل ما تطلبه بهدوء لكن شيئًا فشيئًا اختلف الأمر.

بدأ شعور الخوف والقلق يلازم طفلها أغلب يومه، فيرفض التحرك من المنزل للشارع أو البقالة خشية أن تصادفه الأشباح التي ملأت الأم بها رأسه، كما أصبح يسرح كثيرًا ويرتعب لأقل صوت يسمعه، "وحتى نومه أصبح مضطربًا تقطعه الأحلام السيئة والكوابيس مرارًا"، تقول "نعمة أحمد".

آثار تنتهي بالتمرد

الأخصائية الاجتماعية بدور شعشاعة بينت أن "تخويف الأطفال" أسلوب متبع عند معظم الأهالي وعلى مر العصور ويستخدمونه حتى ينجز الطفل مهمة معينة، مستدركة بالقول: "لكن هذا الأسلوب غير صحيح، وله آثار نفسية وصحية على الطفل قد لا يلاحظها الأهل في وقتها، لكن ستكون على المدى البعيد".

وتشرح بالقول، أن الخوف سوف يسبب للطفل في البداية الكثير من المشاكل الصحية مثل: التبول اللاإرادي، وزيادة دقات القلب، والصراخ دون سبب، وضيق النفس، والتوتر، والقلق الدائم".

وحذرت من أنه بعد مدة من الزمن قد يشعر الطفل بأنه لا فائدة من طاعة أهله فهو تعوَّد على أسلوب التخويف، ويصبح سلوكه عدوانيًا أو قد يصبح انطوائيًا مع العالم الخارجي، وغير قادر على اكتشاف مواهبه ما يؤثر سلبيًا على مستواه التعليمي وعلاقته الاجتماعية.

حوار وتجنب السخرية

ودعت الأهالي للكف عن تخويف الأطفال ومحاولة استخدام أساليب تربوية ذات تأثير إيجابي على الطفل سواء كان في الحاضر أو المستقبل، قائمة على الحوار المستمر معهم وتبسيط الأمور لهم.

بل وطالبت "شعشاعة" الأهالي بعدم السخرية من خوف الطفل وصراخه من شيء معين والاستماع لمخاوفه ومحاولة طمأنته، "إذا ارتكب خطأ يمكننا اللجوء للعقاب المناسب لمرحلته العمرية بشرط ألا يكون هذا العقاب شديدًا، وعدم تكرار العقاب نفسه في كل مرة، لأن الطفل بعد ذلك لا يستجيب فيكون قد تعود عليه".

وواصلت بالقول: "يمكن معاقبة الطفل مثلًا بحرمانه من شيء يحبه لمدة من الزمن كلعبته المفضلة مع الشرح له بأن هذا الحرمان بسبب الخطأ الذي ارتكبه وأنه يجب ألا يكرره، وفي الوقت ذاته علينا مكافأته في حال قيامه بالسلوك الصحيح، كلعبة مفضلة أو منحه وقتًا أطول في مشاهدة التلفاز".

وتؤكد شعشاعة أن طرق العقاب غير السليمة كالضرب والعقاب البدني تؤثر سلبيًا في الطفل، وتتسبب له بمشاكل نفسية وقد تجعله أكثر شغبًا وعدوانيّة.

تكوين نفسي مهزوز

ويشارك الأخصائي النفسي والاجتماعي إيهاب العجرمي زميلته العجرمي الرأي بأنّ تخويف الوالدَين لأبنائهم يأتي بآثار عكسية حيث يؤثر سلبيًا في مشاعرهم وأفكارهم وسلوكياتهم، فاستدعاء الآباء للمشاعر السلبية بأسلوب التخويف سيكون لدى الطفل نظام فكري وسلوكي قائم على الخوف، الأمر الذي سيتجسد في سلوكه وحياته الاجتماعية.

وأردف بالقول: "لا يمكن لأي إيحاء سلبي للأطفال أن يأتي بسلوكيات إيجابية كأن تلجأ الأم لتخويف الطفل إذا رفض النوم والإيحاء له بأن هناك "شبحًا" في المكان، فإن الأمر سيُترجم على هيئة أحلام وكوابيس وقلق وتوتر".

وتابع: "ربما تظهر الآثار السلبية لهذا الأسلوب ظهورًا مباشرًا وعاجلًا أو تظل كامنة، وتترجم فيما بعد في سلوكيات للطفل، كأن يمارس العنف ضد زملائه في المدرسة".

أو قد تترجم – وفق العجرمي- على شكل انسحاب اجتماعي، وتتطور لاضطراب نفسي أو اجتماعي معروف باسم "الخوف الاجتماعي" وهو نوع من الاضطرابات التي صنَّفها الدليل الخامس للاضطرابات النفسية والعصبية ويتمثل في تكوين نفسي مهزوز لدى الطفل.

نظرة إيجابية

وعدّ المعاملة القائمة على الحنان والأمان وبناء الثقة الحل الأفضل لكل المشاكل التربوية، "فينبغي على الأب والأم منذ الأيام الأولى لولادة طفلهم أن يقيموا علاقة معه قائمة على الأمان والحنان والاحتواء وفي الغالب سيكون طفلًا مطيعًا".

وفي الوقت نفسه فإن العناد ليس بالسلبي أيضًا- كما يشرح العجرمي- بل قد يكون أحيانًا إيجابيًا، فآخر دراسة بريطانية أفادت بأن الأطفال الذين لديهم نسبة عناد أكثر ذكاءً من الأطفال غير العنيدين، وأن العناد قد يكون مرحلة عمرية وتنتهي.

وقال: "يجب ألا نتعامل بعنف شديد مع العناد، أو ليونة شديدة تتمثل في الاستجابة لكل طلبات الطفل، في هذه الحالة بالتحديد إذا كان الشيء الذي يريده ابنك يضره لا تعطه إياه مهما فعل، أما دون ذلك فننوع بين الاستجابة والرفض".