فلسطين أون لاين

تقرير مصارحة الأبناء بالظروف المالية يعلمهم التخطيط وإدارة الأزمات

...
مصارحة الأبناء بالظروف المالية يعلمهم التخطيط وإدارة الأزمات
غزة/ هدى الدلو:

في جلسة عائلية قرر الثلاثيني سلامة علي التحدث مع أبنائه بظروفه المادية التي يمر بها في المرحلة الحالية بعد اقتراضه مبلغًا من المال، وكيف ستؤثر خطة سداد الدين على حياتهم وترتيباتهم الاقتصادية، وجاء هذا الحوار العائلي تمهيدًا للأبناء للاقتصاد في طلباتهم والاقتصار على ما هو ضروري ولا يمكن تأجيله.

يقول: "لم أتوقع حالة التفهم التي أبداها أطفالي خاصة أكبرهم الذي لم يتجاوز أربعة عشر عامًا بعد مصارحتهم بالوضع المالي، ولكن لم أقتصر على ذلك بل عملتُ على بث رسائل اطمئنان لنفوسهم أن هذا الوضع المادي لن يدوم، بل لمدة محددة سيزول بعدها".

ويشير علي إلى أن مشاركة الأبناء الظروف المادية التي يمر بها بالرغم من إدراكه لتأثيرها على نفسياتهم إلا أنه يجعلهم يعيشون ظروفًا مختلفة، ويحاولون التأقلم عليها خاصة أنهم اعتادوا تلبية طلباتهم.

في حين تقول سحر مصطفى: إنها اتخذت العيد الماضي قرارًا بعدم الشراء لأبنائها كسوة هذا العام ودبرت أمورهم مما هو متوفر لديهم، بسبب ظرف مالي تمر به الأسرة، مشيرة إلى أنها اعتادت الشراء لهم كل ما هو جديد في كل مناسبة أو موسم.

وتقول: "رأيت أنه حان الوقت ليعرفوا الظروف المادية التي نمر بها، كنت دائمًا أحاول أن أوصل لهم أن هناك عشرات الأسر التي لا تتمكن من شراء ملابس جديدة وبالرغم من ذلك عاشوا أجواء العيد، إلا أن أبنائي لم يلتفتوا لذلك أو يتنازلوا عن شيء من طلباتهم".

في السابق كانت سحر ترفض إخبار أبنائها بالوضع المالي للأسرة بحجة عدم علاقتهم بالأوضاع المادية، وحقهم في العيش بحياة تتوفر فيها كل متطلباتهم.

بالإشراك والتوعية

من جهته يتحدث الاختصاصي النفسي د. إبراهيم التوم أنه لا بد من وضع الأبناء في صورة الوضع الاقتصادي والمالي الذي تمر بها العائلة، مع مراعاة الفارق العمري بين الأبناء ليكونوا على دراية بالدخل الشهري ومدى القدرة المالية، إلى جانب الخطة المالية لإدارة النفقات.

وينبه إلى أسس التربية السليمة والصحيحة والسوية، بمعرفة الآباء احتياجات ومطالب الأبناء النفسية والجسدية والاجتماعية والتعليمية والروحانية والعقلية ومحاولة تلبية الاحتياجات والمطالب بتوازن لكي يتحقق الاستقرار الأسري.

ويستدرك بالقول: "لكن قد تأتي الريح بما لا تشتهي السفن فتعتري الأسرة ظروف وأوضاع اقتصادية واجتماعية تؤثر على سير تحقيق المطالب والاحتياجات وهذا يشكل عبء على الأسرة وتحدي في كيفية إدارة مثل هذا الظروف وكيف يمكن إقناع الأبناء من خلال المكاشفة بطبيعة دخل الأسرة والامكانيات والقدرات المتاحة حتى يعيش الأبناء بواقعية ويعينوا والديهم في التخطيط في الإدارة المالية بعيدًا عن التبذير والإسراف بحيث يكون الصرف وفق الإمكانيات المتاحة".

ويلفت التوم إلى أنه من المهم أن يعي الأبناء معنى التعاطف ووضع أنفسهم مكان الآخر وعدم تحميل آبائهم فوق طاقتهم، أو إشعارهم بالذنب لعدم قدرتهم على تأمين احتياجاتهم، شريطة ألا يسبب ذلك قلقًا للأبناء أو حرمانًا من أمور أساسية.

خطوات عملية

وعليه يجب اتباع مجموعة من الخطوات العملية، وفق الاختصاصي الاجتماعي التوم، "لنصل إلى مستوى تشاركي تعاوني واقعي للإدارة التربوية المالية بين الآباء والأبناء لتسير الحياة الأسرية باستقرار بعيدًا عن التقلبات والصراعات المادية غير المحسوبة والتي من شأنها أن تؤثر على الجو الأسري".

ومن هذه الخطوات تربية الأبناء على إبداء الرأي منذ الصغر، وإشراكهم في الإدارة المنزلية حسب قدراتهم وإمكانياتهم وأعمارهم.

ويؤكد التوم ضرورة إعطاء الأبناء مساحة معينة في الإدارة المالية عبر المساهمة في توفير الاحتياجات والمطالب الأسرية، وشرح وتعريف الأبناء بحقيقة دخل الأسرة وكيفية توزيع هذا الدخل على مستوى الشهر، وإشراكهم في عملية التخطيط ومعرفة الاحتياجات الأساسية والأولويات والثانويات حسب دخل الأسرة. 

ولا بد من بثّ الطمأنينة والهدوء وغرس الانتماء للأسرة، وتوعية الأبناء بكيفية تقبل أي ظروف استثنائية قد تؤثر على أوضاع الأسرة الاقتصادية، وتعليمهم وتدريبهم على كيفية الصرف الصحيح للموارد وكيفية الادخار السليم، والبعد عن الإسراف والتبذير، والتعاطف ومساندة الآباء في الظروف الصعبة وألا نحمّلهم ما لا طاقة لهم بهم. 

ويختم التوم حديثه بأهمية توعية الأبناء بأن الآباء "يجتهدون في الليل والنهار ليوفروا كل ما من شأنه إسعاد أبنائهم وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم بكل حب وشغف، والمحافظة على الصحة النفسية لهم عبر الحوار والنقاش والتعاون ومنحهم أدوارًا ومسؤولياتٍ حسب استطاعتهم وقدراتهم ليكونوا شركاء في إدارة الأسرة بشكل متوازن وآمن".