يمسك عاصم عصيدة الإزميل ينحت بعناية بالغة طبقة الإسمنت التي غطت سقف أحد البيوت القديمة من زمن الحقبة العثمانية في قرية تل الواقعة في الجنوب الغربي لنابلس، ومن ثم ينتقل إلى تنظيف الجدران المبنية من الحجر الصخري الناعم من الطبقة الطينية التي تآكلت مع عوامل الزمن.
تدرب عصيدة الذي يعمل مترجمًا قانونيًا للغة العبرية صباحًا ومُرمّمًا في ساعات المساء، على يد والده الذي كان يمتلك خبرة في ترميم البيوت القديمة، حين كان يحرص على مرافقته في أثناء عملية ترميم بيتهم القديم.
في عمر صغير تعلم عاصم (40 عامًا) أصول عملية ترميم البيوت، ولا يزال يتقنها حتى اليوم بالرغم من انقطاعه عنها لأكثر من 10 أعوام بسبب انشغاله في وظيفته، ولكن الشغف بهذه المهنة دفعه للعودة إليها للمحافظة على البيوت الأثرية التي تحكي تراث فلسطين وتجذره في أرضه.
يقول لـ"فلسطين": "من سنوات طويلة كان لدينا بيت قديم عمره 200 عامًا تعود ملكيته لوالد جدي وقد بناه في شرقي القرية إبان الحكم العثماني لـفلسطين، وكان متهالكًا يحتاج إلى عملية ترميم، وبدأتُ شيئًا فشيئًا تعلم أصول المهنة".
ويضيف: "حتى اليوم أستخدم الوسائل البدائية التي استخدمها والدي، كالفأس، والشاكوش، والإزميل، والمنكوشة والتي تستخدم في نكش الحفر والطين المحشو بين الحجارة، وتعبئة الفراغات بالكحلة الإسمنتية البيضاء، بمزجها مع الرمل لزيادة تماسكها وثباتها، وهي تزيد من عمر البيت عشرات السنوات".
وعن مراحل عملية الترميم، يبدأ عصيدة بإزالة طبقة "الشيد" أو القصارة التي تغطي جدران البيت من الداخل، إذ يُنظّف الحجر من التراب والطين، ومن ثم تُوضع طبقة إسمنتية بيضاء بين الحُفَر، ولاحقًا يُنظف الحجر بماء النار، ومن ثم يُدهن بطبقة زيتية لامعة لا تتسخ من عوامل الطقس والغبار.
عمل منظم وشاق
ويصف عصيدة عملية الترميم بالعمل الشاق، تحديدًا مرحلة تنظيف الحجر وإزالة طبقة بقدر 10 سم من التراب والإسمنت الأبيض من سقف البيت، وهي عملية بطيئة للغاية تحتاج إلى إتقان وصبر لأنها تعتمد الأدوات البدائية، فالأدوات الحديثة تعمل على تدمير الأحجار القديمة.
ويشير إلى أن عملية الترميم تحتاج إلى مدة زمنية طويلة، وتتوقف على مساحة البيت وارتفاعه وسمك طبقة الإسمنت والتراب المتراكمة على الحجارة، وتتراوح ما بين أربع إلى ثمانية أشهر.
والبيوت القديمة التي توجد في قرية تل صنعها الأجداد من الصخور الصلبة وأخرى ناعمة. ويبين "عاصم" أن الأقواس ومداخل البيوت وجدرانها الخارجية كانوا يصنعونها من الأحجار الصلبة، أمّا الجدران الداخلية بُنيت من الحجارة الناعمة الأسهل في التطويع، والقص، والتشكيل.
وينبّه إلى أن ترميم البيوت لها عدة مخاطر، ولا سيما في البيوت الآيلة للسقوط، لذا يضطر إلى تقسيم العمل فيها وإنجازها على عدة مراحل خشية سقوط الأسقف وهي البنية الأضعف.
وحتى اليوم رمم عاصم خمسة بيوت منفصلة، وكلها في حدود قريته "تل"، وهي بيوت غير مأهولة بالسكان، بالرغم من عمله في الترجمة صباحًا ولكنه تمكن من المزاوجة بينهما.
ويطمح عاصم لترميم البيوت القديمة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، والأراضي المحتلة عام 48م، "لأن فيها تثبيت لتاريخ الآباء والأجداد، وهو عمل وطني يثبّت الفلسطيني في أرضه".
وأصل اسم القرية "تل" على الأغلب سرياني والذي يعني الارتفاع، وتقع القرية في الجنوب الغربي من نابلس على مسافة 14 كم منها، وترتفع 2064 قدمًا عن سطح البحر.
والبعض ينسب أصل التسمية إلى تقي الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان التلي المولود سنة 635 هـ. درس على يد شيوخ عصره في دمشق وأقام بالحجاز، كان شيخًا فاضلًا بارعًا في الأدب، متخلقًا بالأخلاق الحميدة، زاهدًا في الدنيا، توفي عام 718 هـ في دمشق.
وسميت القرية بـ"تل" الصمود والشهداء لكثرة شهدائها وما تعرضت له من حصار في الانتفاضة.
ويوجد في القرية الحارة الشامية القديمة وهي من أقدم القرى بالمنطقة وهي مهجورة الآن، إذ انتقل سكانها للعيش بالمنازل الحديثة عوضًا عن مساكن الطين والحجر القديم.
وفي "تل" أربع خِرب هي: خربة كفرور تقع للغرب من القرية وهي عبارة عن أكوام من الحجارة، وخربة الصورتين شمال قرية تل وتحتوي "محرسًا"، خربة عوفر: شمال غرب بورين وتحتوي آثارًا، وخربة صور: للغرب من عراق بورين وهي مشتركة بين قريتي تل وبورين.