لا أحد يقول إن النكبة كانت في زمن قصير من عمر الشعب الفلسطيني، لقد كان لهذا الحدث المأساوي تداعيات جمَّة على شعب وجد نفسه بين ليلة وضحاها مشردًا بين الجبال والتلال، يبحث عن مأوى يقيه من الشتاء البارد، ولهيب الشمس الحارقة، لم يفكر يومًا أن يكون سجينًا مع وقف التنفيذ، ومحاصرًا في مخيمات لا تصلح للعيش الآدمي، ومحاصرًا من الداخل ومحرومًا من أبسط حقوق الإنسان، منها الحرية والعمل والتنقل، لقد كتب عليه الاضطهاد والذل، وطبع على جبينه اسم لاجئ إلى يوم الدين.
مخطط شيطاني
هذا هو اللاجئ الفلسطيني، يبقى يعيش على ذكرى النكبة التي تحل كل عام في منتصف أيار/مايو، وأما أرضه فقد سُلبت، وتغيَّرت معالمها، وطمست أطلال البيوت والشوارع ولم يبقَ إلا بعض مآذن المساجد وقلة من بقايا البيوت المدمرة.
انتهت الحرب في غضون أيام وحلّت أحداث النكبة الفلسطينية على يد المنظمة الصهيونية العالمية وبريطانيا ومن وقف خلفهما التي تبنت مشروع المنظمة القائم على إلغاء حقوق الفلسطينيين العرب في فلسطين، وإحلال القومية اليهودية مكانهم نتيجة مخطط شيطاني إحلالي لهذه الدول أي ما تسمى بالعظمى وقتها، فمصالحها تكمن في تمكين اليهود من فلسطين.
ما نقدمه في هذه السطور هو تفسيرات ليست بعيدة عن الواقع المعاش قبل النكبة، لم تبدأ النكبة الفلسطينية عام 1948، وإنما قبل ذلك بكثير، ففي عام 1799 في الحملة الفرنسية على العالم العربي نشر نابليون بونابرت بيانًا يدعو فيه إلى إنشاء وطن لليهود على أرض فلسطين تحت حماية فرنسية، بهدف تعزيز الوجود الفرنسي في المنطقة، وكسب ود اليهود من أجل الحصول على دعمهم المادي، فسرعان ما انكشفت أوراقه وسقط حلمه وتبدد على أبواب عكا، لقد كانت فلسطين مطمعًا للغزاة منذ الخليقة حتى اليوم، فعدَّت ورقة مساومة بيد الدول الكبرى، بدءًا من فرنسا ومرورًا ببريطانيا وانتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية التي دعمت وما تزال دولة الاحتلال حتى النخاع.
اللجوء ليس نهاية الحكاية
محرك البحث (غوغل) مليء بدراسات بشأن النكبة، فثمَّ كتب ونشرات وغيرها تناولت أحداث النكبة وما نجم عنها، فالدراسات كثيرة تحدثت عن الجوانب المظلمة في النكبة، ولكن كانت ندرة الدراسات حول الآثار الاجتماعية وما خلّفته من تفتيت البنيان الاجتماعي الفلسطيني قليلة، فأصبح العرب ليس عربين، حسب المثل العربي، ولكن قبائل فسَّختها آلة البطش الصهيونية، فمنذ سبعة عقود ونيف من القهر والاحتلال، لا يزال اللاجئ الفلسطيني يقبض على مفتاح بيته بيده وهو يعلم أن بيته دمر.
لو نظرنا إلى خريطة اللجوء الفلسطيني سوف نجد أن ترحيل الشعب الفلسطيني لدول الجوار كان مقصودًا حتى لا يجتمع الشعب الفلسطيني اللاجئ في مكان واحد، وهذا التخطيط كان الهدف منه زيادة الإمعان في تشتيته حتى لا تقوم له قائمة، ولكن وحدة المخيمات في الداخل والخارج، ووحدة الكلمة الفلسطينية فوتت على (إسرائيل) هذه الفرصة، فإذا اشتكى عضو تداعى إليه الجسد بالسهر والحمى، هذا هو لسان حال الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج منذ النكبة حتى يوم الناس هذا.
النكبات متتالية والشعب موحد
إن النكبة ليست حادثة واحدة من الحوادث التي طرأت على أرض فلسطين، بل هي تعاقب سلسلة من التحولات التاريخية عليها. بالرغم من أن المجتمع الفلسطيني انهار بعد النكبة وتشتت ولم يجد أي هيئة حكومية أو شبه حكومية يستند إليها، إلا أن الجماعة الفلسطينية لم تتفرق ولم تتفكك من الداخل، بل نما فيها وعي الهوية الجماعية، أي الهوية الفلسطينية.
الخلاصة هذه النكبة غيّرت مصير جميع الفلسطينيين، وأصبحت الحافز الذي يدفعهم إلى الاتحاد والتضامن أمام المأساة، ويجعلهم يدركون وجود الصفات المشتركة المتزايدة بينهم، وصفاتهم المتميزة عن بقية العرب.
في نهاية المطاف، نزح قرابة 726,000 فلسطيني (83 في المئة من سكان فلسطين) كلاجئين في فلسطين أو غيرها من الدول العربية المجاورة.
ومن أجل إحباط أو جعل الأمر مستحيلًا على عودة اللاجئين دُمرت أكثر من خمسمئة قرية خالية من السكان.
ما لا يجب أن يغيب عن ذاكرتنا وهو الوقوف أمام عناصر المشهد المقبل الذي يتكاثف في أفق التحولات السياسية المتسارعة ومحاولة العالم الالتفاف على قضية فلسطين، فيصف الفلسطينيون أحداث عام 1948 بالنكبة التي ما تزال قائمة، بالرغم من محاولة البعض التقليل منها ما دام المفتاح رمزنا وكوشان الأرض، نقولها لا خوف على أرض اغتصبت، بالرغم مما حدث لها من تغيير فهي باقية في الوجدان، فالقراءة التاريخية للأحداث تقودنا لاستعراض كل مراحل التاريخ والخوض في التفاصيل، وهي تفاصيل تطرح علينا عشرات بل مئات العناوين، والإبحار في عمق التاريخ والتدقيق في تبلور فكرة "الوطن القومي اليهودي"، والسفر في أسفار القصص والروايات والأحاديث، وفي النهاية نخلص إلى حقيقة واحدة ألا وهي هزيمة جيوش العرب وتهجير سكان فلسطين واقتلاعهم من وطنهم وغيابهم في رحلة لجوء طويل، لكن ما فتئ الشعب الفلسطيني يعلنها: الاحتلال إلى زوال ولم يستسلم، وخريطة فلسطين توارثتها الأجيال جيلًا بعد جيل، فهي خالدة في الذاكرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.