يقسم الصياد محمود نصار مهام العمل بين أولاده الثلاثة بالتوازي، فالأب الخمسيني ينشغل مع ابنه الأصغر في التقاط "سرطانات" البحر التي علقت بشباكه بعد رحلة صيد جماعية، ويهتم البقية بإرسال الصناديق الممتلئة بـ"السرطانات" إلى السوق لبيعها باكرًا.
وعلى طوال الشريط الساحلي المجاور لمرفأ الصيادين غربي غزة تنتشر منذ ساعات الصباح الباكر نقاط بيع "السرطانات"، التي تعرف باللغة المحلية بـ"أبو جلمبو أو السلطعون"، وتقبل شريحة واسعة من المواطنين الغزيين على اشترائها منذ الأيام الأولى لبدء موسمها السنوي.
اقرأ المزيد: تتصدرها "ملكة الفواكه".. أغرب أنواع الفواكه في العالم بالصور
ووسط انشغال نصار في تخليص شباكه من أبو جلمبو بحذر خشية أن يلدغه قال لصحيفة "فلسطين": "الحمد الله، الموسم من أوله مُبِشر؛ فالإقبال كبير على اشتراء السلطعونات (...) بسبب لحمها الأبيض الخفيف على المعدة وفوائدها الصحية الكثيرة، لأنها تحتوي على النحاس والفسفور والكالسيوم".
ومع نهاية شهر آب (أغسطس) تبدأ رحلة بحث الصيادين والكثيرة من هواة الصيد عن "السلطعونات" في بحر غزة حتى كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، باستخدام أدوات بسيطة وشباك لا يتجاوز سعرها 500 شيكل تلقى في البحر من على متن قوارب صغيرة (مجاديف).
والسرطان (الكابوريا بالمصرية، و"القبقب" بالخليجية) حيوان قشري ينتمي إلى ما تحت رتبة قصيرات الذنب، لقصر ذيله البارز أو المخفي تحت قفصه الصدري، وله خمسة أزواج من الأرجل يستخدمها في السير والسباحة، ومنها زوجان عبارة عن ملقطين (كلابين) كبيرين يسميان "عضاعض"، يستخدمهما في الأكل والصيد والدفاع عن نفسه.
وعن ظروف صيد سرطان البحر يتحدث نصار موضحًا: "عملية صيده سهلة، لذلك يستسهل الكثير من الصيادين الهواة صيد "أبو جلمبو"، ولكن المشكلة تكون في عملية تنظيف الشباك وتسليكها؛ فهي تأخذ وقتًا طويلًا قد يزيد على خمس ساعات متواصلة، وقد ينتج عن كل عملية صيد تمزق وتلف في الشباك بسبب مخالب "أبو جلمبو" الحادة".
ويرى نصار أن ظروف الحصار التي أثرت سلبًا على نوعية وحجم الكميات المصطادة من بحر غزة هي التي شجعت على زيادة الطلب على "أبو جلمبو" خلال السنوات العشر الماضية، وجعلته سيد السهرات الشبابية والجلسات العائلية عادة تقليدية سنوية.
وتتعدد طرق تحضير أبو جلمبو فيمكن تجهيزه سلقًا بالماء أو بالشواء على الفحم أو داخل الأفران الجاهزة، وأيضًا يمكن إعداد منه حساء لذيذ المذاق، ويتميز هذا الحيوان البحري بأن له جسمًا دائريًّا مسطحًا مغطى بدروع قشرية قوية، ويمكنه أن يحطم بها الأصداف بسهولة للحصول على ما بداخلها من الرخويات.
وبدت علامات الارتياح واضحة على الصياد صالح غراب، بعدما حظي بصيد وفير من سرطان البحر، وتحديدًا من الإناث التي تحتوي على كميات كبيرة من الكافيار اللذيذ.
وبعدما أنهى غراب بيع كمية لأحد الزبائن بين لصحيفة "فلسطين" أن أبو جلمبو يبدأ بالتحرك نحو الشاطئ مع بداية شهر (8)، وبعد قرابة 40 يومًا تتحرك أنثي "الجلمبات" التي تكون غزيرة اللحم وسعرها أغلى من الذكر، فهي تتميز بحوضها الواسع ولون أذرعها الزهري.
وذكر غراب أن مستوى الإقبال يبقى متميزًا طوال الموسم، ويزيد خلال يومي الخميس والجمعة، أما الأسعار فترتفع في بداية الموسم لمحدودية كمية الصيد، فيباع الكيلو جرام الواحد بقرابة خمسة شواكل، ولكن سرعان ما ينخفض سعر البيع حتى تباع "البوكسة" (المكان المخصص لوضع الأسماك) بما لا يزيد على 40 شيكلًا في أحسن الأحوال.
وبين أن طرق صيد "السلطعونات" تتعدد، فيمكن اصطيادها بشباك الغزل أو يدويًّا _وهي أفضل الطرق_ أو بـ"الخرطوش"، فيتربص لها الصياد ثم يضربها بسيخ حديد فيشل حركتها، مشيرًا إلى أن المتوافر في أسواق غزة نوعية محددة من أبو جلمبو، بسبب تقييد الاحتلال الإسرائيلي مساحة عمل الصيادين.
ونصّت اتفاقية أوسلو التي وقعت بين السلطة والاحتلال عام 1993م على السماح للصيادين بالعمل في مسافة 20 ميلًا بحريًّا، التي يتوافر فيها الصيد الوفير، ولكن الاحتلال قلّص على مدار السنوات العشر الماضية المسافة تدريجيًّا ما بين ستة وتسعة أميال بحرية، وذلك لحجج أمنية واهية.