ليست غريبة تلك التصريحات المشينة, التي أطلقها "أشرف العجرمي" الوزير السابق في سلطة أوسلو, استهدف خلالها رمزًا وطنيًا يُمنع الاقتراب منه, أو الانتقاص من مكانته المهمة, حيث يشكل صدارة الفعل المقاوم لثورتنا, ضد المشروع الاحتلالي الصهيوني لفلسطين, هم الأسرى ضميرنا الوطني وعلامة الانتماء والتضحية لأجيال فلسطين, تلك الأجيال التي لم تنقطع عن نضالها ومقاومتها للاحتلال البغيض, ومواجهته بكل الوسائل المتاحة, ولو كان ثمن ذلك استشهادًا في الميدان أو الوقوع في أسر العدو, فالضريبة معلومة مسبقًا لعشاق الطريق الثوري والمسلك الوطني, ولا يقفون كثيرًا ولا يفكرون أبدًا في كم هي باهظة تلك التكاليف, فالمراد من مقارعتهم للاحتلال أسمى وأعظم, وتهون في سبيله كل التضحيات مهما عظمت, فالحرّ الأبي لا يقبل الضيم والشريف الطاهر لا يستسلم للاحتلال الغاشم, يقاوم بكل بما يملك, إعلانًا لرفضه للاحتلال وإفرازاته على الأرض الفلسطينية.
هذه هي القناعات التي سار عليها الشهداء والأسرى, وهم طليعة المجموع الفلسطيني بأكمله, تلك هي المسلمات في نضالنا الوطني, لا يقترب منها أبدًا أصحاب الكروش المنتفخة, والطامعون في السيادة المزيفة أو المناصب الوزارية التي تسقط قيمتها أمام اختبار الكرامة على حاجز أمني تقوده مجندة صهيونية, قادمة من شوارع اللهو والفجور في منهاتن, تغلق الطريق بحاجزها الأمني, وتمارس وظيفتها بفحص بطاقة الـ"vib", للوزراء الوطنيين جدًا! والمجندة الصهيونية على قناعة تامة, بأن هذا المستوزر المفحوص أمنيًا في دوائر الشباك الصهيوني, يحصر كل الحرص على عدم فتح فَاهه, ولو بحرف واحد يعدّ تحريضًا أو مسًا بأمن بالاحتلال, لكنه يتشدق طويلًا بالإساءة ضد مسيرة عظيمة من جهاد ومقاومة شعبنا الفلسطيني ضد هذا المحتل الطارئ على أرضنا, يسيء للشهداء وللأسرى بلا رادع, حيث تحميه منظومة التنسيق الأمني, يشوه المقاومة ويستهزئ بصمود أهلنا في مواجهة إجراءات الاحتلال الظالمة والهمجية, فالمهمة الأسمى لهذا المستوزر أن يظهر بالشكل الذي ترضاه "إسرائيل", كلبًا ذليلًا في حراستها, لتلقي إليه بقايا طعام, يتقوى به على حراسته لكيان الاحتلال, أمنيًا وإعلاميًا وسياسيًا, عبر تمرير مؤامرة التطبيع والاستسلام للاحتلال والتعايش معه, وإجهاضًا للمشروع الوطني التحرري, الذي يؤمن به شعبنا ويسعى إلى إنجازه منذ أكثر من مائة عام.
لا غرابة في تلك التصريحات فهي تخرج من حظيرة أوسلو العفنة, وقد سبقها تصريحات أكثر وقاحة, تستهدف النيل من المقاومة وسلاحها, تحت دواعي السلاح الشرعي الواحد والسلطة الواحدة, وهذا السلاح الواحد الذي يُزعم له بشرعية عند بعضٍ, لا يقوى على أن يحمي طفلًا فلسطينيًا, يُخطف من حضن أمه, ليلقى به في زنازين الاحتلال في ليلة العيد, للأسف ما زال هذا المسار الذي خرجت منه تصريحات الوزير الآثمة, يمسك بزمام السياسة الفلسطينية العامة, ويقود قضيتنا الوطنية إلى الضياع في سراديب التسوية ومتاهات التفاوض, لذا لن يُجرم أحد منهم أقوال وزيرهم المُطبع, فلقد سالت تصريحاتهم النتنة بأقبح من ذلك, ألم يصف أصحاب هذا المسار العمليات الاستشهادية بـ"الحقيرة", وكذلك صواريخ المقاومة التي صنعت معادلة الردع مع العدو وُصفت في إعلامهم بـ"العبثية"؟ ألم يعترف أصحاب هذا النهج بالسيادة الصهيونية على حائط البراق؟ ألم يقم كبيرهم بالمشاركة في جنازة كبير مجرمي الصهاينة "بيريس"؟ الأمور محسومة فجميعهم أبناء حظيرة واحدة, لا يخرج منها ما يسر بالكم أو يشرح صدوركم.
لقد ارتكب هذا الوزير الذي يمثل بوقًا ترويجيًا لنزلاء حظيرة أوسلو النتنة, جرائم مركبة مرفوضة على المستوى الوطني الفلسطيني, فلقد تواصل مع العدو خلال مؤتمر تطبيعي, واعترف بسيادة العدو على مدينة القدس المحتلة, كون المؤتمر التطبيعي عُقد في المدينة المقدسة, وثالث هذه الجرائم تشويهه وإساءته لنضالات أسرانا الأبطال, ووصف مقاومتهم بالعنف و"الإرهاب", وطبيعي أن يكون ذلك في سياق تقديم فروض الطاعة والانصياع للرؤية الصهيونية, والترويج لها والتماهي معها في استهداف القضية الفلسطينية وجوهر عدالتها وحقيقة مظلوميتها, والنيل من مشروعية مقاومة رجالها الساعين لكنس الاحتلال عن تراب فلسطين.
حتى لا نستغرق في الإدانة والمطالبة بالمحاسبة والمحاكمة, فهذا الوزير يمثل نهجًا يختطف القضية الفلسطينية, ويسيطر على مؤسسات الشعب الفلسطيني, ولا يرى لفصيل أو حزب أو تيار تمثيلًا وازنًا في الحياة السياسية الفلسطينية, أفلا نحتاج إلى وقفة وطنية جادة, لوقف هذا العبث بالمشروع الوطني, وصياغة رؤية وطنية جامعة, من أجل الإصلاح في هرم القيادة الفلسطينية, وانتزاع التمثيل من مغتصبيه وإبطال ادعائهم الكاذب, والعمل على تشكيل قيادة فلسطينية حقيقية وطنية, تتقدم الصفوف من أجل استكمال معركة الحرية وتسعى للحفاظ على الحقوق والثوابت؟ وبذلك تنتهي حقبة المستوزر المُطبع, وتتوقف الإساءة لنضالات شعبنا الفلسطيني بألسنة فلسطينية, وحينها لسنا بحاجة لإدانة أو استنكار لنهيق بعض الهاربين عن طُهر المسار الوطني.