يتكئ الشاب خالد حمدان على أحد أسرّة المرضى في قسم القلب بمجمع الشفاء الطبي ينتظر لحظات تخفف عنه حدة ألمه وأوجاعه التي رافقته منذ اللحظات الأولى لإبصاره نور الحياة قبل عشرين عامًا.
بين الفينة والأخرى يلتفت مريض القلب حمدان ابن الحادي والعشرين ربيعًا هنا وهناك، عله يأتي خبر يُسعد قلبه الذي أضعفه المرض، وجعله يتردد على المستشفى خلال فترات متقاربة.
في تفاصيل سريعة، يعاني حمدان من ضيق في الصمام الأورطي في القلب، نتيجة "عيب خُلقي" أثناء الولادة، رافقه على مدار السنوات العشرين، وفق ما يروي المريض لصحيفة "فلسطين".
واضطر حمدان على إثر ما حلّ به لتغيير الصمام "المُعطّل"، وكان له ذلك بعدما أجرى عملية "قلب مفتوح" قبل عامين في أحد مستشفيات الضفة الغربية المحتلة، تم خلالها تركيب صمام "اصطناعي" جديد.
لكن رحلة المرض لم تنتهِ بعد مع الشاب حمدان ذي البشرة القمحية، بعد تعطّل الصمام الذي جرى تركيبه، وهو ما أجبره على العودة لأسرّة قسم القلب بمجمع الشفاء الطبي، ينتظر تحويلة مرضية أخرى للداخل المحتل.
ورغم كل ما أحلّ به ورحلة مرضه الشاقة، فإن حمدان يحاول التغلب على مرضه من خلال ممارسة حياته الطبيعية والتعليمية، لا سيما أنه التحق بكلية الحقوق في جامعة فلسطين في غزة.
ومع إعلان وزارة الصحة بغزة عن نفاد 40% من الأدوية اللازمة للمرضى، لا سيما أصحاب الأمراض المزمنة مثل القلب وغيره، تضاعفت معاناة وأوجاع المريض حمدان كونه يتناول دواءً مدى الحياة لتخثر الدم وسيولته في القلب.
وهنا يعلّق حمدان الذي تتصل بقلبه بعض الأسلاك الواصلة له من المحلول وأجهزة القلب، بالقول: "توقف الدواء يعني حدوث جلطة في الدماغ أو القلب، وهو بمثابة إنهاء حياتي".
ويطالب حمدان عبر "فلسطين"، الجهات المعنية، بضرورة رفع القيد عن المرضى وإدخال الأدوية اللازمة لهم، وتسهيل خروجهم للعلاج بالخارج.
ولم تنتهِ رحلتنا بين أسرّة المرضى، فعلى بُعد أمتار قليلة في الغرفة المجاورة، يرقد الحاج أبو إياد الفيومي (60 عامًا)، على سريره، وعلامات التعب تجتاح تفاصيل وجهه القمحي، خوفًا على حياته.
ويعاني الفيومي من انسداد في الشريان التاجي في القلب، يحتاج على إثرها لتركيب دعامات للقلب، لضمان بقائه على قيد الحياة.
واشتدت أوضاعه سوءًا بعد رفض تحويلته العلاجية في الأراضي المحتلة من جهة، ونقص العلاج من جهة أخرى، الأمر الذي أضعف قدرته على الحركة وألزمه سرير المريض، علّ أحدًا يستجيب لنداءاته.
ويحكي الفيومي لصحيفة "فلسطين" أنه أجرى عملية قلب مفتوح قبل 3 سنوات، "أشعر بأنني في مرحلة الموت، دون الوصول إلى العلاج"، يصف الفيومي حالته وهو على سرير المرض.
ويشتكي الستيني من سوء الأوضاع الاقتصادية لعائلته، وعدم قدرته على دفع الأموال اللازمة لشراء "الدعامات"، مضيفًا: "لو معي ثمن الدعامة، لما انتظرت كل هذه المدة في المستشفى".
ولم تقتصر معاناة المرضى وآهاتهم في قطاع غزة على هاتين الحالتين، وإنما هما نموذجان من المئات الذين يتجرعون عذابات الألم من مختلف الأمراض، لا سيما المزمنة منها، نتيجة نقص الأدوية ومنع إدخالها من وزارة الصحة برام الله، إضافة إلى أزمة التحويلات الطبية أيضًا.
ويقول الناطق باسم وزارة الصحة بغزة، أشرف القدرة: إن قرابة 40% من الأدوية نفدت من مستشفيات وزارة الصحة، إضافة إلى النقص الحاد في المستلزمات الطبية اللازمة لكل الأقسام.
ويوضح القدرة لصحيفة "فلسطين"، أن قرابة 204 أصناف من الأدوية وصل رصيدها إلى "صفر" من أصل 516 صنفًا من الأدوية الأساسية المتداولة، "وهو ما فاقم الوضع الدوائي في القطاع"، وفق قوله.
وبحسب القدرة، فإن النقص في المستهلكات الطبية وصل إلى 270 صنفًا من أصل القائمة الأساسية وهي 853 صنفًا، ما يعني نفاد 32% ورصيدها "صفر".
ويشير إلى أن فقدان هذا العدد الكبير وغير المسبوق للأدوية أوصل الحالة الصحية لمرحلة حرجة للغاية، مشيرًا إلى أن قطاع غزة يُحرم من حقه في العلاج نتيجة إجراءات السلطة للشهر الخامس على التوالي.
وختم القدرة قائلًا: إن قطاع غزة يحتاج سنويًا قرابة 40 مليون دولار للأدوية والمستهلكات الطبية، وأن الحصة الدوائية المقررة من السلطة لقطاع غزة 40% من جميع الواردات، واصفًا ما يجري بـ"قرصنة للحقوق الدوائية"، حيث لا يصل في أحسن الأحوال سوى 10% منها، وفق قوله.