"أنا مشروع شهادة"، كلمات صدحت من حنجرة الفتى جبريل اللدعة (17 عامًا) في حديثه مع والده "محمد" قبل أيام قليلة من ارتقائه شهيدًا، خلال مشاركته إلى جانب الشباب الثائر في مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي اقتحمت مخيم عقبة جبر في أريحا.
عقارب الساعة كانت تدور عند الخامسة من فجر أمس الإثنين، حينما اقتحمت قوات الاحتلال المدججة بالسلاح والعتاد العسكري مخيم عقبة جبر، ضمن سياساتها العنصرية المتواصلة بحصار مدينة أريحا منذ أكثر من عشرة أيام على التوالي.
لم يقبل "اللدعة" عنجهية الاحتلال ومحاولاته لفرض سياسة الأمر الواقع على المخيم، فراح يُشارك أقرانه بالتصدي للاقتحام بصدره العاري، حتى أطلق جندي إسرائيلي رصاصة "غادرة" من فوهة بندقيته، فاستقرت في رأس "جبريل"، فصعدت في إثرها روحه إلى خالقها.
حمله أصحابه على أكتافهم حتى وصلت سيارة الإسعاف ونقلته إلى مستشفى أريحا الحكومي، برفقة 6 مواطنين مصابين، وبعد مرور حوالي ساعة من الزمن بدأت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بإذاعة أنباء تفيد بارتقاء شهيدٍ خلال اقتحام مخيم عقبة جبر.
كان والده "محمد" في هذه الأثناء داخل ورشة "الحدادة" الخاصة به يُقلّب صفحات مواقع التواصل الاجتماعي فوقعت عيناه على صورة شهيد مُلقى على الأرض مضرجًا بدمائه، فتحدث في سره: "هذا شابٌّ مُصاب (..) الله يصبر أهله"، ولم يكن يعلم أنّ الشهيد هو نجله "جبريل"، وفق ما يروي عم الشهيد كمال اللدعة.
مرّت لحظات قليلة حتى تلقّى اتصالًا عبر هاتفه المحمول فيقول المتصل: "ابنك جبريل مُصاب في كتفه"، فهرع مُسرعًا نحو مستشفى أريحا الحكومي، وهنا كانت الصدمة حينما رأى نجله مُسجّى على سرير المستشفى والدماء تسيل من رأسه بفعل الرصاصة التي استقرت فيه، فأبلغه أحد الأطباء: "ابنك استُشهد"، يقول والده المكلوم "محمد" في لقاء مصور فور استشهاد "جبريل".
وقبل استشهاده بيوم واحد فقط، تحاور معه والده قائلًا له "الله يرضى عليك يا بابا.. دير بالك على حالك"، كما يقول والده، وكأنها كانت الوصية الأخيرة قبل الاستشهاد، علمًا أنّ عائلته تتكون من 5 أفراد (4 أشقاء وبنت واحدة)، ثمّ يردد: "جبريل طلب الشهادة ونالها".
أما عم الشهيد كمال اللدعة فيقول لصحيفة "فلسطين": إنّ "جبريل نال الشهادة التي كان يتمناها منذ عدة شهور، وخاصة عقب استشهاد صديقه المُقرب محمد بلهان قبل حوالي شهر تقريبًا".
اقرأ أيضًا: "حماس" تنعى الشهيد "اللدعة" وتؤكد استمرار المقاومة والتصدّي للاحتلال
ويضيف أنّ "جبريل لم يتوانَ عن مشاركة الشبان في مواجهة قوات الاحتلال عند كل اقتحام للمخيم"، لافتًا إلى أنه متُأثر جدًّا بالشهداء، وخاصة صديقه "بلهان".
ومنذ ثلاثة أشهر توقّف "جبريل" عن الذهاب إلى عمله في مجال الزراعة، فيسأله والده: "لماذا لم تذهب إلى الورشة؟"، فأجابه: "أنا مشروع شهادة".
كـ "الصاعقة" وقع نبأ استشهاد "جبريل" على مسامع عائلته، كما يقول "كمال": "نبأ الاستشهاد كان صدمة، ولكنّ هذا حال الشعب الفلسطيني الذي يدفع ثمن دفاعه عن أرضه (..) الحمد لله رب العالمين".
ويؤكد أنّ مخيم "عقبة جبر" يعاني حصارًا إسرائيليًّا مُطبقًا منذ أكثر من عشرة أيام، وبات مستهدفًا كبقية المخيمات والقرى الفلسطينية الأخرى.
ويستدرك: "لكنّ هذا الجيل يطلب الشهادة بأيّ ثمن ولا يرضى بالذل والهوان، وهذا ما يحصل في مدينة أريحا التي تعاني حصارًا مشددًا، ويتصدى له الشبان".
وتواصل قوات الاحتلال حصارها لمدينة أريحا شرقي الضفة الغربية المحتلة منذ أكثر من عشرة أيام على التوالي، عبر فرضها المزيد من الحواجز العسكرية عند مداخل المدينة الرئيسة والفرعية من جميع الجهات.