لم تتوقف أطماع حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة بالسيطرة الكاملة على مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، عبر تكثيف المشاريع الاستيطانية ومحاولات طرد الفلسطينيين وإحلال المستوطنين بدلًا منهم، إضافة إلى فرض سياسة التقسيم الزماني والمكاني على الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة التي تعد عصب حياة المدينة.
ومنذ تولي حكومة المستوطنين الفاشية برئاسة بنيامين نتنياهو، التي تضم متطرفين، ازدادت شراسة المستوطنين الذين يتمتعون بحماية جيش الاحتلال، في ارتكاب الجرائم والممارسات العنصرية ضد مدينة الخليل وسكانها، عدا عن محاولات شرعنة هذه الممارسات بقوانين صادرة عما تُسمى "الإدارة المدنية" التابعة للاحتلال.
وشهد الأسبوع الأخير جُملة من الأحداث المتسارعة في مدينة الخليل، إذ أقدم مستوطنون على اقتحام الحرم الإبراهيمي في ظل حماية الاحتلال، بمشاركة وزير ما يسمى "الأمن القومي" في حكومة المستوطنين إيتمار بن غفير.
وأظهرت مقاطع فيديو "بن غفير" برفقة عدد من المستوطنين في أثناء تأديتهم رقصات تلمودية وطقوسًا يهودية داخل الحرم الإبراهيمي، إلى جانب رفع الأعلام الإسرائيلية فوق سطحه في ذكرى ما يُسمى "عيد الاستقلال" المزعوم.
كما أخطرت سلطات الاحتلال المواطن عبد المهدي أبو عيشة بإخلاء منجرته الواقعة في مبنى ناصر الدين في البلدة القديمة، وهو ما عدّه مدير لجنة إعمار الخليل عماد حمدان ضمن مخطط الاستيلاء على 70 مبنى للفلسطينيين وتسليمها للمستوطنين.
وأوضح حمدان لصحيفة "فلسطين" أن حكومة الاحتلال المتطرفة الجديدة تمادت في طغيانها في البلدة القديمة خاصة في الأسبوع الأخير، الذي شهد هدمًا لمبانٍ واقتحامًا للحرم وإخطارًا لأحد المحلات التجارية الهامة الواقعة على مدخل البلدة القديمة.
وبيّن أن هذه الإجراءات المسعورة التي تفرضها سلطات الاحتلال والمستوطنون في البلدة القديمة "غير مسبوقة"، إذ تأتي في أعقاب تصريحات لحكومة الاحتلال منذ سنوات طويلة بتسليم 70 مبنى للمستوطنين بحجة أنها "أملاك غائبين".
وحذّر من أن "تطبيق هذا المخطط بالرغم من وجود عقود إيجار رسمية لدى أصحابها الفلسطينيين، أمر كارثي ويُنذر بالاستيلاء الكامل على البلدة القديمة وإغلاقها في وجه سكانها".
وأكد أن الاحتلال يولي اهتمامًا كبيرًا في منطقة الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة عامة بإقامة مشاريع استيطانية؛ لربط المستوطنات الموجودة في قلب مدينة الخليل مع الخارجية مثل "كريات أربع وخارصينا".
وأشار حمدان إلى أن الحرم الإبراهيمي محل صراع دائم قبل عام 1994 الذي وقع فيه "المجزرة"، إذ بات الاحتلال يفرض سيطرته الكاملة عليه وعلى محيطه وبواباته والسماح بدخول المصلين والخروج منه.
وبحسب قوله، فإن البلدة القديمة تعاني إغلاقًا منذ 25 عامًا، وهي محاطة بالبوابات الإلكترونية، إذ إنه أُغلق 18 مدخلًا مؤديًا إليها، إضافة إلى إغلاق بعض المناطق المحيطة ووضع الحواجز العسكرية.
وأفاد بأن عدد الحواجز الإسرائيلية المنتشرة في محافظة الخليل يصل إلى 101 حاجز، ما بين نقطة مراقبة وتفتيش وبوابات إلكترونية وغيرها.
مسلسل تهويدي
إلى ذلك عدّ منسق تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان في الخليل عماد أبو شمسية، أن ما يحدث في الخليل هو "مسلسل تهويدي" بدأه الاحتلال منذ عام 1967، عبر الاستيطان ومحاولات السيطرة على الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة.
وذكر أبو شمسية لصحيفة "فلسطين"، أن أعين الاحتلال اتجهت للاستيطان في قلب المدينة، إذ وصلت البؤر الاستيطان حتى اليوم إلى ثمانية بؤر في قلب الخليل منها "تل الرميدة، وتحويل مدرسة إلى دينية والسيطرة على السوق الشعبي والحسبة القديمة وتحويلها إلى مستوطنات".
وشدد على أن "الهجمة مستعرة بهدف السيطرة الكاملة على قلب المدينة، وتحديدًا الحرم الإبراهيمي بتقسيمه زمانيًا ومكانيًا"، مشيرًا إلى أن الحياة في البلدة القديمة باتت مستحيلة في ظل إجراءات الاحتلال والتنكيل اليومي بالمواطنين.
وعرَّج أبو شمسية إلى اتفاقية الخليل التي قسّمت الخليل إلى منطقتين (H1) التي تقع تحت سيطرة جزئية فلسطينية و(H2) التي تقع تحت السيطرة الكاملة للاحتلال، عادًّا إياها "سيئة الصيت والسمُعة" وشكّلت كارثة على السكان.
وبيّن أن هناك مناطق مثل "تل الرميدة وشارع الشهداء وباب البلدة القديمة وكريات أربع" مُغلقة تمامًا، ولا يُسمح إلا بدخول ساكنيها فقط، لافتًا إلى أن 800 مستوطن يجثمون في الخليل وفق الرواية الإسرائيلية، ويحرسهم أكثر من 2000 جندي إسرائيلي.
اقرأ أيضاً: الاحتلال يعتدي على فعالية ضد الاستيطان في الخليل
وأفاد بأن 4% من مساحة البلدة القديمة ومحيطها تقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وهي مغلقة وفيها عدد كبير من الحواجز.
ولم يستبعد إقدام حكومة الاحتلال على تنفيذ المخطط الذي أعلنته قبل 3 سنوات، ببناء 32 وحدة استيطانية وسط البلدة القديمة، ولا سيّما أنه هدم 4 محلات تجارية قبل أشهر في ذات المناطق.
صراع ديني يهودي
من ناحيته عزا مدير مركز أبحاث الأراضي في الخليل جمال العملة، محاولات الاحتلال للسيطرة الكاملة على مدينة الخليل إلى منطلقات دينية يهودية منذ نشأة الحركة الصهيونية.
وقال العملة لصحيفة "فلسطين": إن الحركة الصهيونية منذ نشأتها تسعى لتغطية دورها الاستعماري بإطار ديني يهودي، عبر الادعاء بوجود علاقة تاريخية بين اليهود ومدينة الخليل وإثبات أنهم أصحاب الحق فيها.
وبيّن أن ادعاءات الاحتلال تتمحور حول وجود قبور سيدنا إبراهيم ويعقوب، لذلك يسعون للتمسك بالخليل وإضفاء الصبغة الدينية المزيفة أمام العالم.
وشدد على أن "الخليل مستهدفة استهدافًا كبيرًا من الاحتلال كما مدينة القدس، وذلك عبر الروايات المزيفة التلمودية"، مؤكدًا أن مشاريع السيطرة الاسرائيلية على البلدة القديمة تسير على قدم وساق.
وأوضح العملة أن الاستيطان وشق الطرق الالتفافية في الخليل يتصاعد، إذ إنها باتت مُحاطة بعدة مستوطنات إسرائيلية، لافتًا إلى أن الصراع على الأرض لم يعد دينيًا فحسب بل سياسيًا واستعماريًّا بهدف تفتيت المنطقة العربية.