في إيجاز أمني قدّمه للحكومة الإسرائيلية قبل أيام، وصف رئيس جهاز "الشاباك"؛ "نداف أرغمان" الوضع الأمني في الضفة الغربية المحتلة بالهش والحساس للغاية.
وقال أرغمان "الوضع الأمني في يهودا والسامرة هش للغاية ويتميز بحساسيته المفرطة تجاه أحداث ذات طابع ديني، ويتمتع بمستوىً ثابت تقريبا من العمليات من قبيل الطعن والدهس وإطلاق النار، فيما يشير حجم الإرهاب من حيث العمليات المسلحة، والإنذارات الأمنية وعمليات الإحباط الوقائية الى مستوىً عالٍ من التهديد من قبل المنظمات الارهابية (المنظمة) وكذلك من قبل أفراد أو جهات ميدانية مستقلة".
وعن نشاط جهاز "الشاباك" في مجال إحباط العمليات الفلسطينية واعتقال الخلايا؛ قال "أرغمان" إنه أحبط منذ بداية العام الحالي 200 عملية ذات مغزى؛ بينها عمليات انتحارية، وعمليات إطلاق نار، وعمليات خطف، وأحبط منذ تموز الماضي 70 خلية "إرهابية" محلية خطط عناصرها لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
الحق أننا إزاء توصيف يتسم بقدر عالٍ من الأهمية، ومن مصدر يمثل الجهاز الأبرز في ملاحقة الوضع الفلسطيني، والذي لا يتردد في استخدام كل الوسائل من أجل الحفاظ على الأمن الصهيوني.
حين يعتقل الصهاينة خلال شهر آب المنصرم 522 فلسطينيا، أكثرهم لم يثبت عليه شيء، فهذا يعكس حجم المخاوف الأمنية من جهة، كما يفسر حجم ما يصفها المسؤول الصهيوني بالإحباطات، أي إحباط العمليات. فهو محتل مجرم حقير، يعتقل ويعذب وينتزع معلومات، حتى دون أن تتوفر لديه أية أدلة، ومن خلالها يتوصل لمن يفكرون في تنفيذ عمليات، وكل ذلك يجري بالطبع دون أن يكون للسلطة أي موقف، فالغزاة يدخلون ويخرجون ويعتقلون دون أن يزعجهم أحد، بل إن الصهاينة يتصلون بهذا أو ذاك، فيذهب طائعا إلى مكاتب التحقيق، رغم أنه يعيش في مناطق (أ) بحسب تصنيفات أوسلو، وهي مناطق يُفترض أن السلطة تسيطر عليها إداريا وأمنيا، ويمكنها لو توفرت الإرادة أن تمنع المحتلين من دخولها، لكنها لا تفعل، ولا تفكر في ذلك، وتوفر بذلك للغزاة ما يسمونه "احتلال ديلوكس" بحسب تعبيرهم.
أرقام المعتقلين، والأرقام الأخرى التي كشفها مسؤول "الشاباك" تشير إلى أمر آخر بالغ الأهمية، فهي تؤكد أنه رغم عمليات إعادة تشكيل الوعي "المحمومة" التي نفذتها القيادة الحالية منذ عام 2004، ولغاية الآن، وبالطبع كي تبعد الناس عن برنامج المقاومة، إلا أن النجاح كان محدودا، وبقيت الإرادة قوية، وإقبال الشبان على المواجهة كبير، وجاءت هبة الأقصى الأخيرة رفضا للبوابات الإلكترونية كي تؤكد ذلك، إذ شارك فيها أناس من كل الفئات والأعمار، كانوا يرابطون أمام الأقصى، وظلوا صامدين حتى تحقق النصر، في حين كان موقف تجار المدينة وفعالياتها مشرّف أيضا في دعم المرابطين.
وهنا تحديدا يبرز الجانب الآخر المهم في تقدير زعيم "الشاباك"، فهو يتحدث عن هشاشة الوضع (أي قابليته للانفجار من جهة)، وحساسيته للأحداث ذات البعد الديني من جهة أخرى، وفي هذا السياق تحضر مسألة القدس والأقصى، والتي لن يتراجع الاحتلال حيالها، وإذا فعل، فلزمن قصير، ثم يعاود الكرة، وقد بدأ ذلك بالفعل.
الخلاصة أن كل ما جرى ويجري، ومرور 24 عاما على أوسلو الذي صنع سلطة في خدمة الاحتلال، لم يغير في حقيقة أن الشعب الفلسطيني لم يستسلم، وأن إمكانية تجدد الانتفاضة كبيرة، وهي وحدها القادرة على إخراج القضية من حالة التيه الراهنة، والتي يريدون تكريسها من جديد بتثبيت أوسلو ومخرجاته والحديث عن انتخابات جديدة، لن تزيد الشعب إلا انقساما، والوضع إلا تيها، وذلك بدل الحديث عن سلطة إدارية لا غير تُدار بالتوافق، مع توحُّد للجميع في ميدان المقاومة ضد الاحتلال، وإذا كانوا معنيين بالانتخابات، فلتكن من أجل إعادة تشكيل منظمة التحرير كمرجعية سياسية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. نكرر؛ في الداخل والخارج.