فلسطين أون لاين

الشرافي.. روائية تجاوزت إعاقتها بـ "شغف الكتابة"

...
نهيل الشرافي
غزة/ هدى الدلو:

لم تسمح لوضعها الصحي الذي ولدت به أن يُقيد حياتها، فتجاوزت هذه العقبة بإرادتها القوية، وتمكنت من نشر روايتيْن لها تتحدث بهما عن الواقع الفلسطيني بعنوان "انتظار" و"حلم العودة".

مصاعب عديدة

الشابة نهيل الشرافي (32 عامًا) من سكان مدينة غزة، تحمل شهادة البكالوريوس في تخصص آداب لغة عربية من الجامعة الإسلامية في غزة، تعرضت في أثناء الولادة لنقص أكسجين أثر على أجزاء من أعضاء جسدها، وعلى الحركة والمشي وكذلك النطق.

تقبل والديها إعاقتها وكانا الداعم الأول لها في مسيرتها العلاجية ومن ثمَّ التعليمية التي واجهت فيها مصاعب كثيرة، فقد فقدت والدها في الصف الثاني الابتدائي والذي كان يقوم بحملها وإيصالها إلى المدرسة، لتنتقل هذه المهمة الصعبة إلى والدتها التي أصبحت الأم والأب بالنسبة لها.

تقول الشرافي لصحيفة "فلسطين": "لم أمشِ مثل أقراني الذين في سني، درستُ في مدارس عادية تابعة للأونروا وكنتُ الوحيدة في المدرسة بإعاقة، كنتُ أشعر بالخوف كوني لستُ كأقراني، أخاف السقوط فلا أشاركهم في الفسحة المدرسية، ولا حتى الحصة الرياضة".

وتضيف:" كنتُ أشعر بالإحباط أحيانًا، خاصة عندما يسيء لي مدرس بنظرات غريبة، وكأنني كائن نزل من الفضاء، لكن لم أستسلم وأترك المدرسة".

فـ"الشرافي" تصف نفسها بأنها شخص يعشق التحدي والتصميم على الوصول إلى أهدافها، فواصلت دراستها رغم أنها كانت تكتب بصعوبة شديدة نظرًا لعدم تمكنها من إمساك القلم بطريقة صحيحة، وتخاف من مداهمة الوقت وألا تستطيع الإجابة على جميع أسئلة الامتحانات، وتقاوم من أجل الإسراع في الإجابة على جميع الأسئلة.

وتضيف: "بالفعل كنتُ أسابق زميلاتي في الحصول على أعلى العلامات، فكانت تستغرب معلماتي من علامتي المرتفعة، فمنهم من كان يؤمن بقدرات نهيل ويشجعها، وآخرين يشكون بها ويتهمونها بالغش من زميلاتها"، وفق حديثها.

وعندما وصلت إلى المرحلة الجامعية اختارت كلية الآداب- تخصص اللغة العربية، فقد كانت تميل في صغرها لكتابة بعض الخواطر والشعر بشكل بسيط، "ولعل دراسة هذا التخصص تُمكنها من تطوير مهاراتها في الكتابة الإبداعية هكذا كانت تحدث نفسها، على الرغم من صعوبة التخصص.

بداية الكتابة

وتسرد الشرافي: "في إحدى الامتحانات في الجامعة طلبتُ كاتبة لتساعدني لأن أسئلة الامتحان كثيرة، وتحتاج إلى جهد كبير في الكتابة، رغم أني كنتُ سابقاً أرفض أن يكتب لي أحد لصعوبة النطق وثقل الكلام لدي".

وتتابع بالقول:" أُعجبت الكاتبة بكتاباتي، وأخبرتني أثناء الامتحان بأن أسلوبي في الكتابة والسرد جميل، انتبهتُ لكلامها الذي حفزني وعدتُ أنظر بكتاباتي القديمة البسيطة، وعكفتُ على تطوير مهاراتي في الكتابة الإبداعية بعد تخرجي من الجامعة".

فبدأت الشرافي بقراءة العديد من الكتب والروايات المتنوعة، وأعادت إلى قلمها الحياة من جديد، والتحقت بدورات عن الكتابة الإبداعية، تعرفت خلالها على بعض الكتاب والشعراء من قطاع غزة، ثم عكفت على المواصلة لتكون منهم ومثلهم.

وشرعت حينها في كتابة روايتها الأولى "انتظار" في الخفاء دون علم أحد، والتي استغرقت منها ما يقارب العام، ومشاعر التردد في إخبار أحد تلاحقها إلى أن أخبرت والدتها التي انطلقت معها من أجل عرض الكتاب على مختصين ودار للنشر.

وتمضي الشرافي بالحديث: "بمجرد أن تواصلت معي دار النشر لأجل توقيع عقد لم أصدق الأمر، وانطلقتُ مسرعة برفقة والدتي متكئة على عكازاتي التي ساندتني في هذه الحياة، لم يتوقع أحد هناك أن تكون نهيل من ذوات الإعاقة، انبهر الجميع لكنه كان انبهاراً ممزوجاً بالفخر".

 وبعد أشهر ليست بالقليلة خرجت أول رواية لـ "نهيل" إلى النور بقوة مصحوبة بتنهيدة انتصار بأنها تمكنت من ترك أول بصمة لها في المجتمع، ومن ثمّ قامت دار النشر بعمل حفل توقيع لرواية نهيل "انتظار"، وكان عدد كبير من المدعوين من شعراء وكتاب فلسطينيين.

تقول الشرافي عن تلك اللحظات: "صُدم الجميع هناك فلم يكن أحد يعلم بأن كاتبة الرواية صاحبة همة عالية، صفق الجميع وأخبرتهم وقتها بأنني سأكمل المشوار، وبالفعل بدأت بكتابة روايتي الثانية "حلم العودة"، والتي كانت بمثابة تحدٍّ وانتصار جديديْن لكن بقوة أكبر من المرة الأولى".

فـ"انتظار" رواية تتحدث عن الواقع الصعب الذي يعيشه الفلسطيني من ترقب وانتظار لفتح المعبر أو للحصول على تحويلة من أجل العلاج، وما يتخلل هذا الانتظار من حدوث عدة حروب لمرات عديدة كان يذهب ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى، وهي تجسد انتظار تحقيق الأحلام العالقة على بوابة المعبر مرورًا باليأس والإحباط والاضطرار للهجرة بطرق ملتوية من أجل العمل والعيش بكرامة.

أما الرواية الثانية "حلم العودة" فتتحدث – وفق الشرافي- عن ذلك الحلم الجميل الضائع الذي حدثنا عنه الأجداد في العودة إلى قرانا التي تهجر منها الأجداد، عن ذلك المفتاح الكبير المعلق في جيد الجدات، والذي أكله الصدأ من مرارة الانتظار، "فانتظار وحلم العودة كأنهما سلسلة واحدة مرتبطة ببعضها البعض بمحض الصدفة".