وقف الطالب بالمرحلة الثانوية هشام شملخ أمام شاشة عرض مثبتة على الحائط يشاهد مقطعًا مرئيًا حول أساليب تعذيب الأسرى الفلسطينيين، وبجانبه طلابٌ آخرون تسمروا أمام شاشات أخرى يتابعون مقاطع حول الإهمال الطبي والإضراب المفتوح عن الطعام بسجون الاحتلال.
وقدم الطالب شملخ ضمن وفد طلابي لمعرض تنظمه الحركة الوطنية الأسيرة تحت عنوان "نتنفس حرية" في قاعة "الشاليهات" الكبرى على شاطئ بحر غزة من 24–29 إبريل/ نيسان الجاري، بمشاركة مؤسسات فلسطينية تعنى بمجال الأسرى.
وتجول الطلاب ومواطنون وشخصيات اعتبارية ومختصون بمجال الأسرى وفنانون داخل المعرض الذي يتضمن زوايا متعددة، منها لوحات فنية تجسد معاناة وواقع الأسرى وصمودهم، وأعمال فنية معروضة داخل صناديق زجاجية، وصور ورسوم كاريكاتير، ومقتنيات وإبداعات ورسائل صنعها الأسرى من داخل السجون ورأت النور بعدما تجاوزت القضبان.
كما يتخلل المعرض شاشات عرض صغيرة مثبتة لمقاطع مرئية، وزاوية لكتب ومؤلفات توثق مراحل مختلفة من حياة الأسرى، ومنصة لعرض الندوات وورش العمل واللقاءات التفاعلية في أيام المعرض.
وعلق شملخ سماعة الأذن على الحائط بعدما انتهى من الاستماع للمقطع المرئي، واستدار نحو زملائه بملامح بدا عليها التأثر بما شاهده، وهذا ما أقره لصحيفة "فلسطين" قائلًا: "قدم لي ملخصًا عن شدة التعذيب الذي يتعرض له الأسير، وكيف يُشبح طوال الليل ولا يستطيع النوم بسبب التحقيق المباشر من السجانين".
يعبر أسير لم يذكر اسمه في رسالة أرسلها لزوجته عن سعادته بزفاف ابنته وأنه استطاع سماع صوتها عبر الراديو وفي تفاصيل الكلام تكتوي حروفه شوقًا وحنينًا لها ولأولاده، وبجوارها عرضت رسالة لرد زوجته عليه بنفس الشوق والحنين ختمتها أن "والدتها تبكي حرقة عليه لأنها عدّته ابنًا لها وليس زوجًا لابنتها"، وذيلت توقيعها على الرسالة "زوجتك المخلصة ريم".
محررون ينبشون ذكرياتهم
نبشت تلك الزوايا ذاكرة المحرر حسين الزريعي الذي أمضى 19 عامًا في سجون الاحتلال وأفرج عنه قبل عام، وأعادته لذات الحياة التي كان يعيشها قبل أن يتنفس عبق الحرية.
تباطأت حركة الزريعي أمام لوحة فنية جسدت معاناة الطفل أحمد مناصرة وبجانبها لوحة للأسيرة الجريحة إسراء جعابيص، يقول لصحيفة "فلسطين" بكلمات ممتلئة بالقهر: "هذه الصورة تجسد معاناة الطفل الأسير مناصرة وهو ما يجعلنا نتساءل: أين المجتمع الدولي والإنسانية من حقوق الطفل الفلسطيني في سجون الاحتلال، وكذلك معاناة الأسيرة جعابيص التي تعاني حروقًا تغطي 65% من جسدها؟".
توجه بنظره نحو مقتنيات حاكها الأسرى بأنفسهم، عائدًا إلى حياته أثناء الأسر: "يذكرني المعرض بمعاناة رفاقي الذين عاصرتهم نصف عمري داخل السجن، خاصة مسألة التحقيق والتقييد والتعذيب الذي نتعرض له في أثنائها، وهذه الصور رسالة أن قضية الأسرى وطنية توحد الفلسطينيين".
قدم المعرض معلومات جديدة كانت آلاء النجار وهي موظفة في وزارة الأسرى تجهلها خاصة ما يتعلق بيوميات حياة الأسرى داخل السجون، تقول وهي تقف أمام زاوية المؤلفات والكتب بعدما تنقلت بين صفحاتها وأغلفتها: "عبر الصور وبعض المقاطع المرئية واللوحات والمقتنيات التي جسدوا فيها معاناتهم ازداد إلمامي بواقع الأسرى داخل السجون".
وبنفس الزاوية كان أحمد المحتسب وهو من سكان محافظة رفح يطلع على بعض صفحات كتاب "سحب الجحيم" وهو عبارة عن دراسة توثيقية لتجربة العمل الفدائي في المحافظة الوسطى بين عامي (1967 – 1973)، كان يتنقل عبر الفهرس إلى بعض العمليات الفدائية التي نفذت في تلك المرحلة.
عن تفضيله لهذه الزاوية، أغلق الكتاب قليلًا وأجاب قائلًا: "هذا تاريخنا ويجب أن نقرأ ونعرفه، فتاريخنا مشرف وحافل بالتضحيات والنضال ونحن لم نصل لهذه المرحلة إلا بتضحيات قدمها أسرى وشهداء".
مقتنيات وأعمال فنية
من المقتنيات اللافتة في المعرض، أعمال فنية صنعها الأسير ماجد أبو القمبز من مدينة غزة المعتقل منذ عام 2006 ومحكوم بالسجن 19 سنة متبقي منها عامان، وأدخلت الفرحة على قلوب الأسرى وساهمت في صنع بدائل لمقتنيات يمنع الاحتلال إدخالها بدواعي المنع الأمني.
يضم أحد الصناديق الزجاجية قفازات سوداء صنعها أبو القمبز من بقايا أطراف سترة مهترئة لمساعدة المرضى والجرحى وكبار السن للتغلب على برودة الأجواء في الشتاء، ويضم صندوق آخر، ربطة عنق صنعها من بقايا وسادة لإدخال الفرحة على الأسرى أثناء احتفالهم بخطوبة أحدهم، وعلى أحد الجدران عُرض كذلك قميص رجالي وملابس نسائية صممها الأسير نفسه.
داخل صندوق زجاجي جسدت الفنانة التشكيلية نهيل زيدية معركة الأمعاء الخاوية، عبر مجسم لمعدة باستخدام "الطينية الهوائية" تحيط بها أسلاك، مثبت بداخلها جهاز يعرض صوت المعدة الخاوية.
تقول زيدية لصحيفة "فلسطين" عن سبب اختيار هذا المجسم: إنه "للإضراب عن الطعام تأثير كبير على المعدة، لذلك اخترتها لتجسد معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها الأسرى كوسيلة وحيدة يواجهون بها إدارة سجون الاحتلال لتحقيق الحرية، ويدلل العمل الفني على صمود الأسرى بتلك الأمعاء وتحديهم للأسلاك الشائكة والقضبان التي تقيد حريتهم للدفاع عن أنفسهم".
كتبت زيدية نصًا على الصندوق: "إذا كان الطريق إلى فلسطين يمر عبر فوهة البندقية فإن أمعاءكم الخاوية ستعبد درب الحرية".
من جانبه قال مدير الإعلام بوزارة الأسرى إسلام عبده لصحيفة "فلسطين": إن المعرض يحظى بمتابعة وإشراف من الحركة الأسيرة وبمشاركة فاعلة من كل المؤسسات العاملة بمجال الأسرى.
ووصف عبده المعرض بأنه الأول من نوعه بهذا المستوى الذي يتضمن العديد من الزوايا التي تبرز قضية الأسرى من جانب المعاناة التي يعيشونها داخل سجون الاحتلال، وإظهار الجانب الإبداعي ورسائل التحدي التي يسطرونها، فبالرغم من القيد والأسر، إلا أنهم استطاعوا تحقيق إنجازات وإبداعات عبر تحرير النطف.
وأكد أن زوايا المعرض المختلفة تهدف لإبراز قضية الأسرى وزيادة وعي الجيل بواقعهم، وأن حالة الوحدة فيما يتعلق بقضيتهم حاضرة بالمعرض عبر مشاركة المؤسسات التي تعنى بهم، عادًّا ذلك "أنموذجًا يفتخر به".
بدوره، يقول رئيس اللجنة الفنية والإعلامية للمعرض، محمد الحسني، إن اللجنة عملت على مدار ثلاثة أشهر من أجل إنجاح فعاليات المعرض، مشددًا على أهمية الإعلام ودوره في قضية الأسرى.
وقال الحسني: إن المقتنيات التي خرجت من السجون عبرت عن واقع وألم الأسرى إضافة لشوقهم وحنينهم للحرية"، مشددًا على أهمية الاقتداء باللجنة التحضيرية للمعرض التي ضمت جميع الفصائل وانبثق عنها سبع لجان تضم نحو 70 متطوعًا.
ولفت إلى أن فكرة المعرض خرجت من الأسرى داخل السجون وتلقفتها اللجنة التحضيرية مما أخرج العمل بهذا الاتقان، مبينًا أن عدد الزوار بلغ حتى اليوم الثاني من أيام المعرض نحو 2000 زائر.